حرب عقائد
إسماعيل الشريف
أضرب عن الطعام ليس لأموت بل لأحيا حراً - بلال كايد، أسير فلسطيني
على أبواب مدينة توج في بلاد فارس، وهي المدينة التي نقل إليها الفرس جميع كنوزهم بعد سلسلة المعارك التي خسروها أمام المسلمين، كان عاصم بن كليب ضمن الجنود الذين خاضوا أشرس المعارك لفتحها. أمسك أحد الجنود بقميصه أثناء القتال ومزقه قبل أن يقتله عاصم. وما أن هدأ الوطيس حتى حاول عاصم أن يرتق قميصه، ولكنه تحول إلى أسمال لم ينجح الخيط في رتقه. نظر فرأى جندياً فارسياً مقتولاً. حدثته نفسه: ماذا يفيد القتيل قميصه؟ فاستولى على القميص، وضربه بين حجرين، وغسله بماء النهر، وارتداه. شعر حينها أنه امتلك الدنيا!.
جمع المسلمون كنوز كسرى، ثم وقف قائد الجيش بملابسه البالية مخاطباً جنوده فقال: «أيها الناس، لا تخفوا غنائم المسلمين، فإن من فعل ذلك سيُظهر ما أخفى يوم القيامة. ردوا ما أخذتم.».
تقدم عاصم وخلع القميص عن بدنه، ووضعه بين الأسلاب، وعاد إلى صفه عاري الصدر.
حركت آنذاك عاصم عقيدته، كما تحرك العقيدة مقاتلي حماس. ففي السابع من أكتوبر، عندما اقتحموا المستوطنات، لم نسمع أبدًا أنهم قاموا بالنهب. ما تداولته آنذاك وسائل الإعلام هو أنهم قطعوا رؤوس الأطفال وأحرقوا صهاينة أحياء. ليتبين بعد ذلك أن كل هذا كان كذبًا، وأن ماكينة الإعلام الصهيوأمريكية قد فبركت هذه القصة على لسان رئيس إمبراطورية الشر مرتين.
أين الصهاينة من قصة عاصم ، شاهدنا قوات الاحتلال وهم ينهبون ممتلكات الغزيين ويستبيحون خصوصياتهم، وظهروا في عشرات الفيديوهات وهم يفتخرون بسرقة مصاغ النسوة وألعاب الأطفال.
وعندما نقارن بين أسرى حماس وأسرى الصهاينة، نجد أن الصورة والابتسامة ولغة العيون وتبادل كلمات الوداع بين أسرى الصهاينة وآسريهم من مقاتلي حماس تظهر بما لا يدع مجالاً للشك أن الأسرى تلقوا معاملة طيبة من الغزيين. وقد أجمع جميع الأسرى على ذلك، حتى أن البعض تعرض لأقذر الشتائم ووُجهت إليهم اتهامات بالتجسس. بل ووصل الأمر إلى أن بعض الأسرى قالوا: «جحيم غزة ولا جنة ‹إسرائيل›.»
ويؤكد ذلك ألون بن دافيد، المراسل العسكري للقناة 13 العبرية، الذي تواصل مع أسرى حماس المفرج عنهم. فيقول: «إن حماس قد جمعت أعضاء الكيبوتس الواحد مع بعضهم، مما منحهم شعوراً بالراحة والأمان.» ويضيف: «كانوا يجلسون مع بعضهم البعض ويمارسون أنشطتهم بشكل طبيعي، ويُقدم لهم الطعام والدواء في ظل ظروف صعبة للغاية يعاني منها الغزيون، ولم يتعرضوا للعنف أو الإهانة.»
فيما يعاني الأسرى الفلسطينيون الأمرّين في السجون الصهيونية، وصورهم تشهد على ذلك. هناك النساء والأطفال الموقوفون إدارياً منذ سنوات دون توجيه تهمة لهم، وتتسرب تقارير تتحدث عن أسرى فلسطينيين قضوا نحبهم بسبب الاغتصاب. يكفي أن تشاهد – وأنا لم أستطع – الماجدة العجوز الغزية دولت الطنطاني في مخيم جباليا تنهشها كلاب «كلاب» جيش الاحتلال!
ويرد الإرهابي بن غفير على أسئلة الصحفيين حول التماس السجناء الفلسطينيين لمحكمة العدل العليا في الكيان بزيادة حصص غذائهم، بعد أن أصدر أمراً بتخفيض حصص طعامهم إلى أقل من السعرات الحرارية التي يحتاجها الإنسان للبقاء على قيد الحياة، قائلاً: «هذا لردعهم.» ثم يضيف: «بل يجب إطلاق الرصاص على رؤوسهم.»
عقيدة مقاتلي حماس هي التي توجههم، فهم يطبقون قوله تعالى: «ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً» (الإنسان: 8). ويقال إن سبب نزول الآية أن سيدنا علي بن أبي طالب – كرم الله وجهه – كلما طبخ قليلاً من الشعير، جاءه أحدهم فأطعمه، فجاءه يهودي، ثم مسكين، وأخيراً أحد الأسرى المشركين، وفضلهم على نفسه فلم يأكل. وفي رواية أخرى أنها نزلت في الصحابة الذين تكفلوا بإطعام أسرى بدر. ثم تأتي الآية التي بعدها فتقول: «إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكوراً» (الإنسان: 9). فهذا واجب وليس بمنة، متفوقين بذلك على كافة المواثيق الدولية في معاملة الأسرى.
وعندما بدأ طوفان الأقصى، أجزم بأن أحد قادتهم وقف أمام مقاتليه كما وقف سيدنا أبو بكر الصديق في جنده المتوجهين لفتح بلاد الشام منذرًا إياهم: «لا تخونوا ولا تغلوا، ولا تغدروا ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلًا صغيرًا ولا شيخًا كبيرًا ولا امرأة، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاةً ولا بقرةً ولا بعيرًا إلا لمأكلة، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا منه.»
فيما تصنف عقيدة الصهاينة غير اليهود بالأغيار أو الجوييم أي العبيد، وتفضل قتلهم وقتل أطفالهم وسرقة كل ما يملكون، وذلك استناداً إلى فتاوى الحاخامات اليهود الصهاينة. فلا ننسى أبداً وزير دفاع الكيان في بداية الحرب وهو يسمي الغزيين بـ»الحيوانات البشرية» الذين سيقطع عنهم كل سبل الحياة.
يستمد مقاتلو حماس عقيدتهم من القرآن والسنة، في حين يستمد الصهاينة عقيدتهم التي تنص على تفوقهم على كل البشر من نصوص توراتية محرفة تحض على القتل والسرقة. ففي سفر إشعياء 61:5-6 يرد: «ويقف الأجانب ويرعون غنمكم ويكون بين الغريب حراثيكم وكراميكم، أما أنتم فتدعون كهنة الرب وتسمون خدام إلهنا.» وفي سفر ميخا 4:12 يرد: «يا بنت صهيون، لأني أجعل قرنك حديداً وأظافرك نحاساً فتسحقين شعوباً كثيرة.»
نحن نسل سيدنا محمد وصحابته الأبرار وجنوده الأوفياء، ننتهج نهجهم ونسير على خطاهم. فيما هم أبناء الشيطان، لا علاقة لهم بسيدنا إبراهيم الذي لم يكن لصاً ولا سارقاً ولا مجرماً، بل نبياً كريماً. ولا علاقة لهم بسيدنا موسى الذي جاء بالألواح وفيها: «لا تزنِ، ولا تسرق، ولا تقتل.»
هي حرب قد تطلق عليها: حرب العقائد!