على شفير حرب أهلية
إسماعيل الشريف
«أنا مستعد لعقد صفقة جزئية – وهذا ليس سراً – ستعيد إلينا بعض الأشخاص»- نتن ياهو كان الحديث قبل أشهر يدور همسًا عن حرب أهلية محتملة ستعصف بالكيان الصهيوني. أما في هذه الأيام، فإنها تنتظر الشرارة التي ستشعلها، مع تصاعد الاحتجاجات التي تطالب بإسقاط نتن ياهو وتبادل الأسرى والانقسام الشعبي وسط تراشق بالكلمات بين السياسيين من جهة وبينهم وبين المؤسسة العسكرية من جهة أخرى، وتحذيرات بانقلاب الجيش على نتنياهو.
قام نتن ياهو بحل حكومة الحرب التي شكلها في أعقاب طوفان الأقصى، بعد استقالة غانتس التي تشير استطلاعات الرأي إلى فوزه بالأغلبية لو تمت الدعوة لانتخابات مبكرة. وقد اتهم غانتس، قبيل استقالته، نتنياهو بإحباط جهود التفاوض لإعادة المحتجزين عمدًا لأسباب سياسية.
اعترفت حكومة الاحتلال بأن الرهائن يشكلون مصدر قلق ثانوي في هذه المرحلة. وكان وزير المالية، الإرهابي سموتريتش، أكثر وضوحًا عندما اجتمع مع عائلات المحتجزين في غزة، حيث قال لهم: «إن -إسرائيل- لن تترك أي حجر دون أن تقلبه في غزة لإعادة المحتجزين، ولكنه لن يدعم أي اتفاق مع حماس يتضمن إنهاء الحرب.»
وهذا الكلام في طياته يحمل تناقضًا صارخًا، فكيف يمكن إعادة المحتجزين عن طريق قلب الحجارة وتدمير المنازل؟ لقد أصبح من المسلمات أن إعادة المحتجزين لن تتم إلا عبر التفاوض. فبعد تسعة أشهر من الحرب، حرر الكيان 41 محتجزًا عبر المفاوضات، فيما قتل جيشه بقنابله ورشاشاته حوالي 60 محتجزًا، وتمكن من تحرير 7 محتجزين في عمليات عسكرية أربعة منها من خلال عملية أشرفت عليها تماما الولايات المتحدة واخرجتهم من غزة عبر مينائها التي ادعت بانها أنشأته لتقديم المساعدات . بقي لدى حماس حوالي 133 محتجزًا. بلغة الأرقام، لا يمكن تحرير المحتجزين إلا بالتفاوض.
وتتفاقم حالة الاحتقان الداخلي بعد تسريب تقارير تفيد بأن المسؤولين الصهاينة كانوا على علم كامل قبل وقت طويل بنية حماس مهاجمتهم، واختاروا تجاهل المعلومات الاستخباراتية التي قدمت تفاصيل كثيرة عن تحضيرات حماس لطوفان الأقصى.
يريد المستوطنون في شمال فلسطين المحتلة الحصول على تطمينات من الحكومة بعودتهم إلى مستوطناتهم وتوفير الأمن لهم، ولكن نتن ياهو فشل فشلاً ذريعًا في هذا الملف بعد أن أوصلته أصواتهم إلى السلطة، لأنه وعدهم بأن شمال فلسطين المحتلة سيكون آمناً وخالياً من تهديدات حزب الله.
وتقوم الحكومة المتطرفة في الكيان بإرضاء المتشددين عبر سن القوانين التي تصب في مصلحتهم على حساب العلمانيين، الذين يحارب أولادهم على الجبهات. بل وتريد بدعم المتطرفين فتح جبهة أخرى.
ولعل تصريحات المتحدث الرسمي لجيش الكيان دانييل هاغاري قد بينت حالة الانقسام الكبيرة بين المؤسستين السياسية والعسكرية عندما أعلن أن هزيمة حماس غير ممكنة. وجاءت تصريحاته مصحوبة باتهام الحكومة بتضليل الرأي العام وذر الرمال في العيون. ويجب أن لا ننسى في نهاية المطاف أن الكيان هو دولة عسكرية لها الكلمة الأخيرة.
أمام هذه الضغوط الداخلية المتزايدة، يواجه نتن ياهو خيارين: إما الاستجابة إلى الضغوط العسكرية والشعبية من خلال مبادلة الأسرى وإنهاء الحرب، أو المخاطرة بإدخال الدولة المارقة في حرب أهلية.
في ظل هذه الظروف، يبقى السؤال مفتوحًا حول كيفية تطور المشهد الداخلي في الكيان وما إذا كان سيشهد حربًا أهلية قد تضع استمراره موضع تساؤل؟