بانتظار «لا» حازمة من رام الله
رشاد ابو داود
أن يقول شعب «لا» للمحتل تكلفه ضحايا وتضحيات. الضحايا شهداء والتضحيات برغد عيش وامتيازات. وأن يقول «نعم» يحصل على كل هذه ويكسب المليارات لكنه يخسر ما لا يشترى ولا يباع.. نفسه وكرامته. أما من يقول «لعم» فلا يحصل على هذه ولا تلك ويموت مسموماً مقهوراً.
بعد واحد وثلاثين سنة من اتفاق « أوسلو « تعلن اسرائيل وفاته عملياً. سحب امتيازات لشخصيات مهمة في السلطة الفلسطينية، توسيع الاستيطان، تجفيف الشريان المالي، والسيطرة على ثمانين بالمئة من مساحة الضفة الغربية بما فيها مناطق من صلاحيات السلطة حسب اتفاق أوسلو. والقادم أخطر وأعظم.
التفاوض مع العدو ليس محرماً لكن من دون إلقاء السلاح ومن دون أعطيات وامتيازات هي أصلاً حق والحصول عليها هدف من أهداف المفاوضات. وكلما كنت أقوى حصلت على الأكثر. مهم جداً قبل أن تعتبر «الحياة مفاوضات» أن تدرس تاريخ وطبيعة من تفاوض ومدى التزامه بالعهود والوعود على مدى تاريخه. كذلك الفكر الأيدولوجي الذي ينطلق منه ويشتغل عليه.
ثمة من يُخطِّىء المقاومة ويتحدث عن آلاف الشهداء ومعاناة الناس في غزة. هؤلاء لم يقرأوا عن تضحيات الشعوب التي حررت نفسها من الاحتلال. ولا يعلمون، أو لا يريدون أن يعلموا، أن الجزائر دفعت أكثر من مليون شهيد في حرب تحررها من الاستعمار الفرنسي. وفيتنام دفعت أكثر من مليون ونصف المليون قتيل من المدنيين في فترة الاحتلال الأميركي ما عدا قتلى فترة الاحتلال الفرنسي. وقد ارتكب الاميركيون والفرنسيون مذابح ضد المدنيين أبشعها مذبحة ماي لاي.
الوقت ليس للعتاب والحساب. وثمة وقت قليل وثمين أمام السلطة لمراجعة المواقف والسياسات التي انتهجتها على أمل الحصول على شيء. فقد استيقظ العالم كله على جرائم الاحتلال والمجازر التي يرتكبها ضد الأطفال والنساء والمسنين في غزة والاقتحامات والاعتقالات والاغتيالات التي تقوم بها في مدن وقرى ومخيمات جنين وطولكرم ونابلس وقلقيلية وحتى في وحول رام الله قريباً من مقر السلطة.
جرافة نتنياهو وبن غفير وسموتريتش تدمر كل ما أمامها بما فيه من اتفاقات ومعاهدات وبأثر رجعي. ونتنياهو الثور الهائج في متحف الخزف يتمرد على مرضعة كيانه بالسلاح والمال، أميركا، ويتحدى رئيسها بايدن.
المسألة لم تعد مسألة فصائل فلسطينية اختارت طريق المقاومة بالسلاح بل هي مسألة فلسطين كلها شعباً وأرضاً. وقد أعلنها نتنياهو « لا حماستان ولا فتحستان «. اللحظة تاريخية والفرصة سانحة في ظل تصدع المجتمع الاسرائيلي كنتيجة من نتائج الحرب على غزة. لم تقف شعوب العالم مع فلسطين كما تقف اليوم. ولم تكتشف حقيقة الوجه البشع لاسرائيل النازية مثلما تفعل اليوم.
ترامب قادم بعد أربعة أشهر. وكما « تفرد» من بين رؤساء أميركا بنقل السفارة الى القدس فالأرجح أن يكمل تفرده بالاعتراف بالضفة الغربية كجزء من اسرائيل. وعندها لا يعود ضرورة لوجود سلطة فلسطينية وفقاً لترامب وطبعاً نتنياهو وشلته.
«لا» من السلطة الآن ضرورة ملحة. ولا بد من إحياء منظمة التحرير الفلسطينية على أسس جديدة تتكفل بمواجهة ابتلاع ما تبقى من فلسطين بالسلاح، اللغة الوحيدة التي يفهمها نتنياهو !