الملك عاهد الأردنيين، واجب الدولة أن تتحرك
حسين الرواشدة
تمر المنطقة، وبلدنا جزء منها، بحالة من «اللايقين» السياسي، الخيارات المتاحة تبدو معقدة وصعبة، الاستحقاقات والإكراهات ثقيلة، الممرات الآمنة أضيق مما نتصور، لا نحتاج أن نسأل لماذا؟ كل ما يجري أمامنا، وما تشير إليه التوقعات والتداعيات القادمة يؤكد أننا أمام مرحلة خطيرة، ربما تكون الأخطر منذ أكثر من 70 عاماً.
يقع بلدنا وسط هذا « الزنّار» الناري، ثلاثة أرباع حدودنا مفتوحة على تهديدات مباشرة، وغير مباشرة، الحرب في غزة وإمكانية امتداداها وتوسعها إلى الشمال ( لبنان)، تضعنا في مرمى النيران، لا يوجد عمق استراتيجي حقيقي، ولا أي ظهير سياسي يمكن الاعتماد عليه، صحيح ما زلنا صامدين، ونتمتع بقدر معقول من الاستقرار، لكن أوضاعنا الاقتصادية تشكل نقطة ضعف يصعب تجاوزها، أو حلها في المدى المنظور، كما أن حالة مجتمعنا ليست على ما يرام.
نحتاج، أكثر من أي وقت مضى، لمزيد من المصالحات والتفاهمات، مهما تكن مناعتنا الأمنية والسياسية، ومهما تكن تقديراتنا لإمكانية مواجهة الأزمات القادمة، أو التكيف مع التغيرات الدولية والإقليمية التي سنتأثر بها، فإن الحذر والاحتياط والانتباه واجب، أقصد وضع ما يلزم من خطط ومقاربات لكل واقعة يمكن أن تداهمنا أو يتعرض لها بلدنا، والأهم إدارة معركة الوعي بشكل مدروس وحصيف؛ الأردنيون بحاجة إلى «رؤوس وطنية « موثوقة وملهمة، تتقدم صفوفهم، بحاجة، أيضا إلى، إدارات عامة ومسؤولين شجعان، يتعاملون معهم بثقة، ويحرصون على مكاشفتهم، ووضع الحقائق أمامهم، وتطمينهم على بلدهم.
هل يكفي ذلك؟ بالطبع لا، توفير الجاهزية الكاملة والاستعداد لمفاجآت المرحلة القادمة يحتاج إلى ورشة عمل وطني كبيرة، تستوعب «الجماعة الوطنية» الأردنية بكافة أطيافها واتجاهاتها السياسية، وتساهم في توجيه النقاش العام نحو أهم الأخطار والأولويات التي تستدعي الاهتمام، لضمان رأي عام مقتنع ومؤثر، ثم الخروج بـ»تقدير موقف» لاستحقاقات المرحلة وكيفية التعامل معها، هذا الإجماع الوطني على خيارات الدولة واضطراراتها سيمكننا من تجاوز حالة «اللايقين» التي أشرت لها سلفاً، وسيفتح أمامنا آفاقاً جديدة لضمان الحفاظ على بلدنا وحمايته، وكسر محاولات استهدافه.
هل لدى إدارات العامة ما يلزم من إرادة «للم الشمل الوطني «، وتدشين مرحلة جديدة، تقنع الأردنيين وتدفعهم لحشد طاقاتهم واستعادة ثقتهم بأنفسهم ودولتهم؟ لا يوجد بديل عن ذلك أبداً، الملك تعهد للأردنيين في خطاب اليوبيل الفضي (أن يبقى الأردن حراً عزيزاً كريماً آمناً مطمئناً)، واجب كل مسؤول في الدولة، كما هو واجب نخب المجتمع وقيادته، أن يعمل ما بوسعه لإنجاز هذا العهد، وفي تقديري أن الأسابيع القادمة ستشهد تغييرات تطمئن الأردنيين على أن بلدهم يسير في الاتجاه الصحيح، لا أقصد التغييرات في المواقع العامة، وإنما في المشهد السياسي والاقتصادي، ماكينة الدولة ستتحرك، وأوراقنا السياسية سيتم استخدامها في إطار يخدم مصالحنا الوطنية وفق الاستدارة للداخل، وبما يتناسب مع المستجدات الخارجية، المستجدات التي أتوقع أن الدولة تحسب حساباتها بدقة، وتضع ما يلزم من سيناريوهات للتعامل معها، بما يخدم منعة الأردن واستقراره.