عقيدة الضاحية
إسماعيل الشريف
ستكون حربًا مفتوحة- حسن نصر الله
في عام 2006، صاغ الجنرال غادي إيزنكوت، الذي استقال مع غانتس من حكومة نتنياهو، عقيدة عسكرية أضيفت إلى عشرات العقائد الأخرى التي تحكم جيش الاحتلال. سُمِّيت هذه العقيدة بـ»عقيدة الضاحية»، نسبةً إلى الضاحية الجنوبية من بيروت، معقل حزب الله، التي تعرضت لتدمير هائل أثناء حرب عام 2006.
تنص هذه العقيدة على أنه في الحروب غير المتكافئة، حيث يسيطر العدو على أرض مأهولة بسكان داعمين له، فإن تدمير البنية التحتية ومنازل المدنيين باستخدام القوة المفرطة هو أمر ضروري للضغط على السكان للانقلاب على الفصيل المسلح الذي يدعمونه، وكذلك كعقاب جماعي لهم. لذلك، سيكون هذا هو شكل الحرب إذا ما اندلعت مع حزب الله.
وبالتأكيد، فإن هذه العقيدة يستخدمها العدو في غزة، حيث يرون أن الغزيين هم حاضنة لحماس ويستحقون القتل. وتؤيد تصريحات الساسة والعسكريين تطبيق هذا المبدأ، فقد قال ليبرمان، وزير الدفاع الأسبق، «لا أبرياء في غزة». أما غانتس، الذي ينظر إليه على أنه أحد الحمائم وتحضره الولايات المتحدة ليكون بديلاً عن نتنياهو، فقد افتخر بإعادته مناطق في غزة إلى العصر الحجري في حرب 2014 عندما كان وزيرًا للدفاع حينذاك.
يتخرج أفراد الجيش الصهيوني من مدارس دينية تغرس فيهم الكراهية للعرب وتحرض على قتلهم، حيث يُنظر إليهم على أنهم ليسوا بشرًا. تُعتبر حروبهم حروبًا دينية يتقربون فيها إلى الله بتقديم قرابين من الأطفال العرب. فعلى سبيل المثال، يقود الجنرال السابق عوفر وينتر، قائد لواء جفعاتي، جنوده في صلاة يقول فيها: «يا الله، رب إسرائيل، اجعل مهمتنا ناجحة ونحن على وشك خوض معركة من أجل شعبك ضد عدو يلعن اسمك.»
ولكن جيش الكيان الصهيوني ليس هو نفس الجيش الذي حارب حزب الله في عام 2006، فقد أنهكته حرب غزة ومرغت أنفه بالتراب. أما حزب الله، الذي أذل الكيان في عام 2006، فقد ازدادت قوته، حيث يمتلك الآن مئة ألف مقاتل وترسانة صاروخية قادرة على ضرب عمق فلسطين المحتلة.
نتن ياهو يريد هذه الحرب لأسباب عديدة، منها:
?إعادة الطمأنينة لمستوطني الشمال، الذين يشكلون أكبر قاعدة انتخابية له.
?الهروب إلى الأمام بعد أن أثبتت حرب غزة أنها حرب كارثية.
?اعتقاد الكيان بأن حربه مع حزب الله ستساعد في ترميم سمعته دوليًا بمحاربته فصيلًا مسلحًا مكروهًا دوليًا.
?تصوير الكيان بأنه يحارب العرب الأشرار.
?التذكير بأنه قاعدة متقدمة للغرب يخوض حروبه.
?إعادة فرض الردع الشامل.
?إعطاء وقت إضافي لنتن ياهو للبقاء في منصبه.
ولكن للجيش رأي آخر، فقد أنهكته حرب غزة وهو غير مستعد لخوض معركة أكثر شراسة من التي تجري في غزة. يصرح الناطق الرسمي لجيش الاحتلال بأن الادعاء بأنه قادر على هزيمة حماس هو مجرد ذر للرماد في العيون. هذه حالة مشابهة لجيش الاحتلال قبل أكثر من ثلاثة عقود في بداية التسعينيات من القرن الماضي، إبان الانتفاضة الفلسطينية، عندما وجه قائد الأركان حينذاك دانييل شومرون رسالة إلى رئيس الوزراء رابين قال فيها: «يمكننا حل المشكلة، ولكن ليس بالسعر الذي أنت أو نحن على استعداد لقبوله، هذه مشكلة سياسية قم بحلها.»
كانت حكومة رابين آنذاك تضم حزب شاس المتشدد، كما تضم حكومة نتن ياهو حاليًا المتشددين الذين يريدون مقاتلة الجميع. آنذاك انتصرت إرادة الجيش على السياسيين، وكان من نتائجها اتفاقية أوسلو. فهل يستطيع الجيش هذه المرة أن يفرض إرادته مرة أخرى ويجنب المنطقة حربًا لا تبقي ولا تذر، أم ستكون الكلمة الأخيرة لنتن ياهو وعصابته؟