ضجة إسرائيلية مقصودة ومفتعلة
حمادة فراعنة
ضجة مفتعلة لذاتها كي تكون رسالة موجهة مقصودة فجرها جيش الاحتلال، بقراره الإعلان عن «هدنة تكتيكية في الأنشطة العسكرية» في قسم من جنوب قطاع غزة، حددها انطلاقاً من معبر كرم أبو سالم، وحتى طريق صلاح الدين، ومن ثم شمالاً، ودوافعها كما ذكر جيش الاحتلال « لأهداف إنسانية ستطبق من الساعة 8 صباحاً حتى الساعة 19 مساءً، يومياً وحتى إشعار آخر».
نتنياهو وفريقه السياسي، بما فيهم وزير الدفاع يوأف جالنت، لم يعرفوا بالقرار، ولم يتم التشاور معهم، وكما قال نتنياهو أنه سمع به عن طريق الإعلام، وطبعا شجب مضمون القرار، وهدفه، وطريقة إعلانه، وأنه لم يُستشر به، ولم يؤخذ برأيه، واعتبره تجاوزاً لكل الاجراءات والأنظمة المتبعة!!.
السؤال الجوهري هو: ما هي دوافع الجيش في إعلان هذه الخطوة ؟؟، هل دبت عندهم الانسانية فجأة؟؟ هل أدركوا حجم معاناة الفلسطينيين وجوعهم وتعاطفوا معهم؟؟ هل لأن الفلسطينيين استقبلوهم بالترحاب بعد عمليتي القصف لمدة ثلاث أسابيع ، والتدمير وقتل المدنيين المتعمد لأكثر من ثمانية أشهر، منذ 7 اكتوبر، و أدت إلى قتل وإصابة عشرات الآلاف من الفلسطينيين، فاكتفوا بهذا العدد الذي تجاوز المئة ألف بدلا من عملية 7 أكتوبر وثمنا لها ؟؟ أم يروا أن رمي هذا الهدف يمكن أن «يُحنن» قلب حماس والجهاد ويتساهلوا بمفاوضات إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين؟؟.
قرار جيش الاحتلال من ناحية مبدئية وإجرائية لم يُرضِ نتنياهو وفريقه الائتلافي، وتعارض مع سياساتهم، فلماذا أقدم الجيش على هذه الخطوة التي فعلت ضجيجا على المستويات المحلية والاقليمية والدولية؟؟. وفرضت اهتماماً عالمياً وتساؤلات مشروعة، حول دور الولايات المتحدة
والجيش الأميركي الذي لديه فريق استشاري يعمل مع جيش الاحتلال ويوفر له الغطاءات المطلوبة حتى يحقق النصر، أو على الاقل حتى يمنع الهزيمة؟؟ وهل تم هذا القرار بتوجه أميركي تم فرضه على جيش الاحتلال بدون التنسيق مع نتنياهو والفريق السياسي؟؟.
ولكن حقيقة دوافع جيش الاحتلال أنه أراد من هذا القرار تحقيق هدف وهو تحميل القيادة السياسية مسؤولية تبعات الجرائم التي قارفها جيش الاحتلال ضد المدنيين الفلسطينيين، وأراد ان يوصل رسالة الى محكمة الجنايات الدولية أن قرارها الجزئي الذي استهدف استدعاء نتنياهو وجالنت، بدعوتهما للمثول أمام المحكمة، وإذا لم يتجاوبا ستتم ملاحقتهما، والقاء القبض عليهما، على خلفية ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وأن قرار الجنائية عدم شمول قيادات وضباط جيش الاحتلال له ما يبرره، وها هو جيش الاحتلال يتخذ اجراءات ذات طابع إنساني من خلال توفير الاحتياجات الضرورية وإدخال مساعدات لأهالي القطاع عبر معبر أبو سالم، مما يدلل ان جيش الاحتلال يتجاوب مع القرارات الدولية، وها هو يفعل ذلك علنا، بدون التشاور مع القيادة السياسية التي لا تقبل بالقرار وترفضه، واذا تم التراجع عنه لأي سبب، فهذا يعني أن التراجع عن القرار» الإنساني» يعود للقيادة السياسية وليس لقيادة الجيش التي عليها أن تذعن لقرار القيادة السياسية.
لقد حقق جيش الاحتلال هدفه، عبر الضجة المثارة ضده من قبل القيادة السياسية، وظهر وكأنه جيش يلتزم بالمعايير الدولية، وهو فعل ذلك من ذاته، من دون موافقة القيادة السياسية وعدم التشاور معها، وأنه وهو يحارب الفلسطينيين يفعل ذلك مرغما ويأخذ بعين الاعتبار المعايير الإنسانية!!.
قرار جيش الاحتلال لم ينفذ، ولم يتم تطبيق «الهدنة التكتيكية» وقد تم توظيف القرار والتوجه بشأنها، وسجل الجيش أنه سعى للهدنة ذات الدوافع الانسانية ولكنه لم يتمكن من تنفيذها لأسباب خارجة عن إرادته!!.