الفاصوليا البيضاء.. رفيقة الفقراء والجياع !

رشاد ابو داود

طعمها لذيذ، رائحتها شهية، وهي أولاً وليس أخيراً رفيقة الفقراء ومطلب الجياع. رافقتني في المخيم عندما كانوا يوزعونها مع «المؤن». ذاك الكرت الأبيض الذي وزعته الأمم المتحدة عبر وكالة «الأونروا» على اللاجئين الفلسطينيين تعويضاً عن بلادهم التي «أهدوها» لليهود الصهاينة العام 1948.

رافقتني الفاصوليا البيضاء أثناء دراستي في جامعة دمشق في أوائل السبعينات. كان مصروفنا الشهري بين 13 و15 ديناراً. تكفي لأجرة البيت والطعام واللباس فيما رسوم الدراسة بالجامعة لا تكاد تذكر 100 ليرة سورية في السنة.

معظم وجبات الغداء كنا نتناولها عند مطعم أبو عيسى في الشعلان بـ 85 قرشاً سورياً. وكلها فاصوليا بيضاء مع رز وقليل من اللحمة المفرومة. بالقرب من مطعم ابو عيسى كان مطعم النابلسي نذهب اليه في اوائل الشهر عندما يكون المصروف طازجاً. لكن سعر صحن الفاصوليا البيضاء مع الرز كان أغلى، مع المخللات والخبز بليرة وربع ! وعندما كان يأتينا قريب أو صديق من الأردن كنا نتمتع بوجبة في أحد المطاعم الأعلى مستوى التي لم نكن نجرؤ على ارتيادها كطلبة، على حسابه طبعاً.
تذكرت رفيقتي الفاصوليا وأنا أشاهد ضحايا التجويع في غزة وخاصة الأطفال وهم يتهافتون على قدور الطبيخ الكبيرة من حملات المساعدات من الفاصوليا حاملين ما تبقى لدى عائلاتهم بعد الدمار من طناجر وصحون وصواني. وأكثر ما يبكبك طفل يصل دوره ويكون القدر قد فرغ تماماً !

الحكاية بدأت غداة نكبة 1948 بكرت المؤن. صدقة جاحدة من الدول التي أنشأت كياناً مصطنعاً على أرض شعب متجذر في أرضه، بأناسه وزيتونه وتراثه وطيبته. تخلصوا من حثالة عاثت فساداً في أوروبا، جدهم شايلوك وأبوهم هرتزل وعمهم روتشيلد. كطبيعتهم المخاتلة، تحالفوا مع هتلر ومع تشرشل والحلفاء في نفس الوقت. من ينتصر فهم معه ومن ينهزم فهم ضده. شيطنوا هتلر عندما انهزم وضخموا المحرقة ليبتزوا دول اوروبا واميركا ولم يزالوا.

استبدلوا اليهودية الحقيقية بالصهيونية الاستعمارية. سلخوا عن اليهود تعاليم دينهم ولباسهم ومعتقداتهم واستبدلوها بأكذوبة الديمقراطية والحضارة. وها هي غزة تكشف عورتهم أمام العالم الذي بدأ يعي حقيقتهم بعدما مارسوا ضد الفلسطينيين مجازر أبشع مما قالوا ان النازيين مارسوها ضدهم.

في أميركا، الراعي الأول للجرائم الصهيونية، تنشط الآن حملات اليهود الحقيقيين المعادين للصهيونية ضد جرائم المزيفين الاسرائيليين. يتظاهرون دعماً لفلسطين ومؤيدين لدولة فلسطين من النهر الى البحر ومستنكرين وجود اسرائيل باعتبار انشائها مخالفاً للديانة اليهودية التي تحرم اقامة دولة لليهود. وهذا ما يتطابق مع تفسير بعض العلماء لقوله تعالى لليهود «اسكنوا الأرض « دون أن يحدد مكاناً معيناً.

في الحرب على غزة تفوق الصهاينة على النازية بارتكاب جرائم ضد البشرية باستخدام سلاح التجويع بعد التعطيش والقتل والتدمير. وقد أوعز كبيرهم نتنياهو وكل من المجرميْن بن غفير وسموتريتش لقطعان المستوطنين بالهجوم على قوافل المساعدات غير الكافية أصلاً الى غزة. ورأينا كيف كانوا يلقون أرضاً بأكياس الطحين والمواد الغذائية. هذا عدا عن اغلاق المعابر والحصار الحكومي الرسمي للاحتلال على كل مناطق القطاع.

«طوفان الأقصى» يعيد الحكاية الى جذورها حيث لا لاجئين ولا فاصوليا وقريبا..

لا «إسرائيل».