مؤتمر الاستجابة لغزة.. الأردن يعيد القضية الفلسطينية للمشهد العالمي
شكل مؤتمر الاستجابة الإنسانية الطارئة في غزة الذي عقد أمس الثلاثاء في البحر الميت انعطافا سياسيا هاما في تكثيف الجهود الدبلوماسية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة، وإرساء وقف فوري ودائم لإطلاق النار في قطاع غزة، بحسب معنيين وخبراء في الشأن السياسي.
وبين هؤلاء أن المؤتمر سعى الى وضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته الإنسانية والسياسية، وتحويل الالتزامات إلى أفعال ملموسة على الأرض لتقديم الدعم الفوري والضروري للشعب الفلسطيني في غزة، وتعزيز التعاون الدولي والدعم السياسي للقضية الفلسطينية وتوحيد الجهود لإيصال المساعدات الإنسانية، وإزالة العقبات التي تحول دون وصولها بشكل مستدام.
وأكدوا في أحاديث لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، أن المؤتمر عزز الدور المحوري الهام للأردن في إعادة القضية الفلسطينية للمشهد السياسي العالمي، مشيرين الى الننجاح الباهر في جمع هذا الحشد الكبير من قادة الدول والمنظمات الدولية الذين توافدوا للمشاركة في المؤتمر لمناقشة سبل وقف الحرب في غزة والدفع بتسريع وتيرة العمل الإغاثي والطبي في المستقبل وإعادة الإعمار بعد الحرب ما يجعل من الاردن شريكًا رئيسيًا في أي جهود دولية تهدف إلى تحقيق السلام والاستقرار.
وأشار المتحدثون أن المؤتمر أعاد تسليط الضوء على أهمية دعم حل الدولتين كسبيل وحيد لتحقيق السلام الدائم في المنطقة، لافتين إلى أن انعقاد هذا المؤتمر في هذا الوقت الحرج يجسد رؤية جلالة الملك عبدالله الثاني الحكيمة في توحيد الجهود الدولية لدعم الشعب الفلسطيني ومواجهة التحديات الإنسانية الكبرى التي يعيشها أهالي غزة، ويعكس التزام الأردن الراسخ ودوره الريادي بدعم القضية الفلسطينية وتعزيز الاستجابة الإنسانية على مستوى المنطقة والعالم وفي أصعب الظروف.
رئيس الوزراء الأسبق، نائب رئيس مجلس الأعيان، ورئيس اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية سمير الرفاعي قال "مئة عام من عمر الأردن مرّ ربعها تحت قيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، في ظروف إقليمية وعالمية أقل ما يقال عنها أنها غير مستقرة، وفي أحيان كثيرة كانت صعبة ومعقدة، ولعل هذا هو قدرنا، فالناظر في تاريخ الأردن منذ نشأته، يدرك بسهولة أنه ولد في عين العاصفة، ولم يعرف الهدوء إلا لحظات قليلة مقارنة بسنوات عمره".
وما يزيد ثقل هذه الظروف، يحسب الرفاعي، أن وطننا بالكاد يمتلك أي موارد طبيعية، ولا رهان له إلا على أبنائه وبناته، ولأنه دائما مرتبط ارتباطا وثيقا بمحيطه الإقليمي والعالمي فهو عرضة للآثار الجانبية لأي وكل أزمة، فمن حرب إلى حرب، ومن تهجير إلى هجرة، لكن تظل أبوابه مفتوحة لكل محتاج، وفقا للرفاعي.
وأشار الى أحدث هذه الأزمات وهي الحرب الغاشمة على أهلنا في غزة وفلسطين المحتلة، وعدا عن آثارها النفسية المؤلمة على كل منا، وتبعاتها السياسية التي ندفع ثمنها نتيجة لالتزام الأردن بعروبته وصموده على مواقفه، أثرت أكبر تأثير على اقتصادنا بصورة كبيرة، ومع ذلك بقينا على موقفنا، ورغم كل هذا عقد جلالة الملك مؤتمرا دوليا من أجل غزة وهو ما يؤكد أن الأردن ماض بسياسته الواضحة تجاه فلسطين ودعم الحل العادل والشامل وصولا إلى دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس الشرقية.
العين الدكتور إبراهيم البدور قال:" شكل مؤتمر الاستجابة الإنسانية صورة جماعية لرفض وإدانة ما تقوم به إسرائيل من مجاعة وحصار لغزة، حيث بلور موقفا موحدا من أكثر من 50 دولة، وبعث رسالة واضحة للعالم كله أن الذي يجري في غزة يجب إيقافه، ويجب أيضا توقف حمام الدم الذي شكلته إسرائيل بسبب تعنتها وعدم استجابتها للمجتمع الدولي، مشيرا الى أن مديري الجلسة اضطروا لزيادة المدة المقررة لأكثر من 20 دقيقة بسبب إصرار المشاركين على الحديث لتوضيح وجههة نظرهم حول ما يحدث في غزة.
وبين أن الأردن بقيادة جلالة الملك بعث برسالة واضحة هي "أننا لن نألو جهداً في المجال الإنساني والسياسي والدبلوماسي لإيقاف هذه الحرب ودعم الفلسطينيين الصامدين في وجه المحتلين سواء في غزة أم في الضفة وأن قضيتهم لن تموت"، لافتا إلى أن المؤتمر بحجم المشاركة التي رأينا واختيار مكان انعقاده المتاخم لفلسطين، أوصل رسالة لإسرائيل أنها غدت منبوذة، ونجح المؤتمر بإيصال أهم رسالة هي أن ما يحدث في غزة "ليس صراعا دينيا أو مذهبيا أو عقائديا بل جريمة ضد الإنسانية وضد المدنيين الذين يدفعون ثمن تقاعس العالم عن لجم الاحتلال الاسرائيلي".
العين الدكتور محمد المومني قال إن المؤتمر أكد تعهد والتزام الدول المشاركة بتقديم المساعدات الإنسانية من خلال منظمات الأمم المتحدة ترسيخا لموقف الاردن الداعم فعلاً بكل ما يمكن تقديمه للأشقاء في غزة وكما أكده جلالة الملك في كلمته الرئيسية في المؤتمر.
أستاذ العلوم السياسية في جامعة البلقاء ورئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية الدكتور خالد شنيكات قال: جاء مؤتمر الاستجابة شاملا ووافيا فيما يتعلق بنتائجه حيث شملت المطالبة بوقف إطلاق نار دائم والتوقف عن استهداف المدنيين والبنى التحتية خاصة قطاع المياه والصحة والتعليم والغذاء، والتوقف عن استخدام إعاقة المساعدات كطرق ابتزاز لمزيد من تعميق معاناة المدنيين في غزة وإذلالهم.
وأضاف شنيكات: تناول المؤتمر الأفق السياسي للحل الحقيقي والعادل للقضية الفلسطينية وهي دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وفقا لقرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي الذي أقر حق تقرير المصير وتأسيس الدولة الفلسطينية، والتوقف عن التصريحات الاستفزازية التي يقوم بها السياسيون الإسرائيليون ومحاولة إثارة الفوضى في الضفة الغربية، وتأكيد الدور الأساسي والمحوري لوكالة "الاونروا"وتمكينها من القيام بواجبها تجاه الشعب الفلسطيني الى حين تحقق الحل العادل للقضية.
لقد جاء المؤتمر كإضاءة على حجم المعاناة الإنسانية الهائلة وتسليط الضوء عليها، وتكثيف الجهود لإنهائها وإيصال المساعدات وإعادة البناء لأن قطاع غزة يمر بكارثة إنسانية غير مسبوقة صنعتها إسرائيل بقصفها المتعمد على كل ما يمثل الحياة وفقا للشنيكات.
أستاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة الألمانية الأردنية الدكتور بدر صيتان الماضي قال، إن المؤتمر لم يخل من رسائل سياسية تم توجيهها بحرفية من قبل الدولة الأردنية. فقد هدف الأردن إلى فتح عيون العالم وعن قرب لما يجري في قطاع غزة من مأساة إنسانية كبيرة هي نتاج سياسات خرقاء ترتكبها حكومة الاحتلال دون أي رادع أخلاقي أو إنساني أو قانوني.
وبين الماضي أن من أهم أهداف المؤتمر ومخرجاته، والتي سعى إليها الأردن هي أن العالم يجب أن يكون جاهزاً من خلال الخطط والسياسات الخاصة بالاستجابة الإنسانية لما بعد الحرب ووضع الحكومات والمؤسسات الدولية أمام مسؤولياتها للتعامل مع هذه المأساة الإنسانية.
وأشار الى أن الدول المشاركة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية أبدت استعدادها لتمويل خطة الاستجابة، وهذا ما سعى له الأردن: تسريع وتيرة العمل الإغاثي والطبي في المستقبل وإعادة الإعمار حين تتوقف الحرب.
وأوضح أن الأردن نجح في لفت أنظار العالم لما يجري في القطاع، وأثبت الأردن أن الدبلوماسية التصاعدية هي السبيل لتغيير الصورة النمطية عن دولة الاحتلال والتي دأبت على الترويج لنفسها في الساحة الدولية بأنها دولة ديمقراطية ودولة سلام.
بترا - بشرى نيروخ وإيمان المومني