ماراثون اجتماعات عشائرية وحزبية لحسم اختيار الأسماء والقوائم لخوض الانتخابات

 
الانتخابات النيابية الأردنية على رأس جدول مقتضيات بناء المرحلة الأولى في برنامج التحديث السياسي، لكن الأولويات الاقتصادية حصراً في المشهد السياسي الأردني قد تحظى بمرتبة متقدمة ضمن سلم ما يسميه البعض بالتحديات الأساسية مرحلياً.

بعد الانتخابات المقررة يوم 10 أيلول/سبتمبر المقبل، والخطوة التالية المفترضة في الملف الاقتصادي، يبقى ما يحصل في غزة هو السياق الأكثر إلحاحاً وإنتاجاً لكل الأسئلة الحساسة والاعتبارات العابرة للسياسي أمنياً؛ لأن عمان وبعد احتفالات اليوبيل الفضي الملكية وقبل عطلة عيد الأضحى الطويلة نسبياً، يفترض أن توضع بعض النقاط على كثير من حروف خطتها الاستراتيجية.

في ملف الانتخابات دخول جماعي في المزاج العام الانتخابي وفرصة لاختبار نوايا الإصلاح السياسي والتنمية الحزبية.

وما يقوله سياسيون وبرلمانيون كثر، بينهم الأمين العام لحزب الميثاق الوسطي الدكتور محمد المومني، هو أن هذه الفرصة منحة وطنية للبناء الطبيعي والإيجابي في إطار التدرج المتوافق عليه وطنياً.

انتخابياً، لا تزال أحزاب الوسط عموماً متأخرة عن الكشف عن هوية رموزها في الاشتباك الانتخابي.

 تلك دلالة على أن الملفات غير منضبطة بعد، ليس فقط لأن الإجماعات العشائرية والمناطقية سبقت الأحزاب السياسية في الأداء والتحضير، ولكن أيضاً لأن أساس المحاصصة في التنافس مرتبط بقرار مجلس شورى حزب جبهة العمل الإسلامي المعارض المشاركة في الانتخابات.

وما يتوقعه كثيرون من بينهم البرلماني والحزبي محمد الحجوج، وآخرون، هو أن التنافس الشريف في الانتخابات المقبلة هو جوهر التحديث السياسي. 

واستبق المشرف المباشر على لجنة صاغت وثيقة التحديث السياسي وهو رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي، الأحداث بإنذار مبكر علناً أطلقه، نصح فيه بأن لا يستعجل المشتبكون حزبياً في مساحة تشكيل حكومة أغلبية حزبية في هذه المرحلة.

طبعاً، ما يسعى إليه الرفاعي هو الانطلاق من التدرج وزرع جذور عميقة للعمل الحزبي قبل شهوة السلطة والطموح والتطلعات. تلك بكل حال، مسألة مؤجلة، لكن الدولة الأردنية تضع ثقلها خلف مشروع إنجاح انتخابات 10 أيلول بالحد الأدنى من الكلف والخسائر.

ما لم يحسم بعد في السياق هو الإجابة عن السؤال التالي: «هل ستشرف على الانتخابات الحكومة القائمة حالياً، أم تتشكل حكومة جديدة لهذا الغرض؟». 

عملياً، لا يستعجل التغيير الوزاري كمحطة مقترحة استعداداً للانتخابات إلا بعض الطامحين في وراثة كراسي ومقاعد الوزراء، فيما اليومان المقبلان قبل حلول عطلة عيد الأضحى التي قد تمتد 9 أيام بالصدفة، أساسيان في تحديد ما إذا كانت الحكومة الحالية سترحل أم ستبقى، وفيما إذا كان الإطار المرجعي سيقرر حل البرلمان.

وبصرف النظر عن بقاء الحكومة أو رحيل السلطتين، وعن سيناريو اللحظات الأخيرة لا أدلة ولا قرائن قوية تدفع في اتجاه التغيير الوزاري بعد، وإن بيعة التحديات تؤشر مباشرة بعد احتفالات اليوبيل الفضي، على حاجة واضحة وملموسة للصعود بطاقم اقتصادي جديد يواجه التحديات ويستطيع الاستثمار في أزمات الإقليم ومؤهل للنجاح في المشاركة بإعادة إعمار قطاع غزة وبدفع الاقتصاد الوطني للتعافي.

جزئية مثل مطبخ اقتصادي جديد، لا جدال فيها على الأرجح. وإذا ما بقيت الحكومة الحالية واستبعد خيار التغيير الوزاري، يبقى خيار التعديل اقتصادياً على الأقل، أو في الحد الأدنى هو الخطوة المنطقية أكثر.

واستناداً إلى الاشتباك الاقتصادي وأولويته، يمكن قراءة الزاوية التي تدير فيها الدولة الأردنية بمبادرة إبداعية، لا شك، مؤتمر الاستجابة الإنسانية الذي انعقد ظهر أمس الثلاثاء في منطقة البحر الميت برعاية ملكية مباشرة.

مؤتمر الاستجابة الإنسانية لأهل قطاع غزة هو مبادرة ملكية أردنية خاصة استجابت لها عدة دول وأطراف في الإقليم والمجتمع الدولي، وهي على الأغلب خطوة يكمل فيها الأردني مشواره الإغاثي لأهل قطاع غزة في إطار استجابات عملياتية على الأرض بعدما بدا ذلك المشوار أصلاً من أول طائرة هبطت بمساعدات طبية في القطاع أثناء القصف في وقت مبكر من العدوان.

لوجستيات الإغاثة الأردنية أصبحت بحد ذاتها تعبيراً سياسياً عن الحصة الأردنية ضمن تبادل نطاق الأدوار في سياق التعاطي مع آثار العدوان الإسرائيلي. وعليه، يمكن قراءة مؤتمر الاستجابة الإنسانية لغزة من خلال 3 أهداف رئيسية:

الهدف الأول إغاثي بامتياز وبطابع إنساني وضمن أجندة محددة ومفصلة في السياق العملياتي تستند إلى خبرة الأردن الميدانية في الإغاثة، والتي أصبحت فيما يخص غزة تحديداً هي الأكثر خبرة ومرونة وإنتاجية بحكم إشراف القوات المسلحة المحترفة عليها أولاً، وبحكم الهامش الذي يخترقه في المجتمع الدولي موقف القيادة الأردنية وحراكها السياسي الدبلوماسي.

الهدف الثاني لمؤتمر الاستجابة مهم أيضاً؛ فعبر لوجستيات الإغاثة والاستجابة الانسانية تجلس المبادرات الأردنية بوقار وبانعكاسات إيجابية على طاولة الحدث الإقليمي. والاستجابات الإغاثية هنا جسر لا يستهان به ومرحب به شعبياً أيضاً نحو الدور السياسي الإقليمي.

وثمة هدف ثالث في الأثناء، ترتبط سرديته الأساسية بتجنب الفواتير السياسية التي يمكن أن تنتج عن الاضطرار في الصراع الحالي للجلوس في موقع ضد أو مع أي من أطراف الصراع المباشر، فعمان تريد أن تبقى قريبة جداً من أهل غزة إنسانياً، وفي الموقف السياسي بسبب مصالحها في الضفة الغربية. لكنها لا تريد تحت وطأة العدوان وانفعالاته، التورط مع محور المقاومة في الوقت ذاته، وطاولة الإغاثة تتيح للأردنيين مثل هذا التوازن.

ثلاث ملفات في غاية الأهمية على الطاولة الأردنية عشية العيد. 

وعلى نحو أو آخر، يبدو الرابط الأساسي بينها هو غزة؛ لأن الانتخابات يراد لها أن تنعقد ولا تتأجل بسبب غزة، ويراد لها في الوقت ذاته أن تنطلق دوافعها ومساراتها من الاعتبارات الداخلية المحلية، بمعنى الابتعاد قدر الإمكان عن صخب معركة طوفان الأقصى. القدس العربي