موضة الأحزاب في (قعدات) الأصحاب

كتب - مصطفى توفيق أبو رمّان

المتابع للتسابق المحليّ غير المسبوق على تأسيس أحزاب سياسية، وبما يشمل مختلف محافظات الوطن، خصوصًا المتعلّق من هذا التسابق قبل الانتخابات النيابية المقبلة، قد يخطر على باله سؤال، سؤاليْن.. ثلاثة، وربما أكثر.

من جهتي خطر على بالي سؤاليْن مباشريْن: هل جفّت موضة الصالونات السياسية في بلدنا لصالح موضة الحياة الحزبية؟ هل يشارك المواطنون جميعهم في عملية التنمية الوطنية السياسية؟

يقول جلالة الملك عبدالله الثاني في كتاب التكليف السامي الأول لدولة السيد علي أبو الراغب بتاريخ 19/6/2000: "وندعو جميع المواطنين للمشاركة والمساهمة في عملية التنمية الوطنية السياسية".

وفي خطاب العرش السامي في افتتاح الدورة العادية الأولى لمجلس الأمة الرابع عشر بتاريخ 1/12/2003، يقول جلالته: "إن واجب القطاعات الشعبية، ومؤسسات المجتمع الأهلي، ومنابر الحوار والفكر، أن تستجيب إلى دعوتنا هذه بإخلاص لتعمل على إحداث تحول إيجابي وجذري في مسيرتنا الديمقراطية، عبر إطلاق حركة حزبية وطنية حقيقية". والسؤال الملحّ هنا: هل حركتنا الحزبية التي تتوسع على مدار الساعة، حقيقية؟

ليس المقصود في حشد الأسئلة التي أطرحها تجريم النوايا، فهو ما لا يحق لي ولا لغيري من بني البشر. إنها أسئلة نابعة من واقع الحال، فتحفيز الانخراط الحزبي في الأردن، مرّ بأوراق نقاشية أولى وثانية وسابعة، وبتشكيل مجالس، ولجان، وإصدار تشريعات، وسنّ قوانين، لكن هذا الجهد الذي مضى عليه 25 عامًا ماضية، ظل، على صعيد الاستجابة المواطنية، في حالة ركود لأكثر من عقدين، قبل أن تنفجر تلك الاستجابة (المشتهاة) فجأة خلال الأشهر القليلة الماضية.

وبما أن مقالي هذا لا يتوانى عن طرح الأسئلة وراء الأسئلة، فإني أود أن أسأل: هل لهذا التدافع الحزبي تأسيسًا وضمًا وترويجًا ومؤتمرات ومحاضرات ودعوات ووجبات وولائمَ، علاقة بانتخابات مقبلة؟ هل يعقل أن يؤسس أحدهم حزبًا يحتاج إلى 300 متقدّم، و1000 عضو عند إعلان التأسيس، من أجل مقعد تحت القبّة؟ أهي قبّة حديدية هذه التي نتسابق عليها؟

إن "تطوير وتحفيز الأحزاب ذات البرامج والقواعد الشعبية على مستوى الوطن بحيث يتوجه الناخبون للتصويت على أسس حزبية وبرامجية"، يفرض علينا: "تحديات ومسؤوليات جوهرية"، كما يوجّه جلالة الملك في الورقة النقاشية الثالثة. فهل استوعب المفرغون كل جهودهم هذه الأيام لتأسيس حزب، أو الانخراط في آخر، جدية هذه التحديات وجوهريّتها كما يوجّه جلالة الملك؟

هل تملك الأحزاب التي تأسّست فعلًا، أو تلك التي في طريقها للإعلان عن نفسها "برامج قابلة للتطبيق والتقييم، وتخدم مصالح المواطنين، وتحقق مشاركة فاعلة ومنتجة على جميع المستويات الوطنية والمحلية"، كما يوجّه جلالة الملك في خطاب العرش السامي في افتتاح الدورة العادية الأولى لمجلس الأمة التاسع عشر بتاريخ 15 تشرين أول 2021؟

إنها دعوة ملكية واضحة صادحة حول ضرورة تحفيز الأحزاب السياسية ذات البرامج الواضحة والشاملة والمُقْنِعة فقط (مش المقَنَّعة)، القادرة على كسب ثقة المواطنين.

الدعوة إلى ضرورة مشاركة أبناء الوطن جميعهم في الحياة الحزبية، تتكرر في مختلف خطابات جلالة الملك، وأدبيات العرش، وكتب التكليف السامية، هذا ما جاء في كتاب التكليف السامي الأول لدولة السيد سمير الرفاعي بتاريخ 9 كانون الأول/ديسمبر 2009: "وإذ تشكل الانتخابات القادمة، التي يجب أن لا يتأخر إجراؤها عن الربع الأخير من العام المقبل خطوة رئيسية في تطوير أدائنا الديمقراطي وتعزيز المشاركة في عملية التنمية السياسية، فإننا نريدها جزءًا من برنامج تنمية سياسية شامل يعالج كل المعيقات أمام تحقيق هذه التنمية، ويسهم في تطوير العمل السياسي الحزبي البرامجي ويفتح المجال أمام تحقيق هذه التنمية، ويسهم في تطور العمل السياسي الحزبي البرامجي، ويفتح المجال أمام جميع أبناء الوطن للمشاركة في مسيرة البناء". 

كما جاء في كتاب تكليف السامي الثاني لدولة الدكتور معروف البخيت بتاريخ 1شباط 2011: "وبما يضمن أعلى درجات المشاركة الشعبية في صناعة القرار".

وحين صدر بتاريخ 12/3/2011 قرار مجلس الوزراء بتشكيل لجنة الحوار الوطني برئاسة دولة السيد طاهر المصري/ رئيس مجلس الأعيان، قال جلالة الملك في الرسالة الملكية الموجهة لدولة السيد طاهر المصري بتاريخ 14 آذار 2011، إن الأحزاب المنتظرة ينبغي أن تكون "ذات برامج تعبّر عن طموحات المواطنين وتستجيب لمتطلباتهم".

وفي عودة للورقة النقاشية الثالثة، فإن مما قاله جلالة الملك فيها: "إن مفهوم الديمقراطية لا ينحصر في تعبير الأفراد عن آرائهم ووجهات نظرهم، بل أنه يشمل العمل لتحويل ما ينادي به الأفراد إلى خطط عمل مشتركة باقتراحات واقعية وعملية تسهم في تقدم الوطن، وهذا هو الدور الرئيسي للأحزاب السياسية".

"وهذا هو الدور الرئيسي للأحزاب السياسية"، أعيدها لعل بعضنا وضع تحتها ألف خط، بعدد الأعضاء الذين يجري تجميعهم ليعلنوا تأسيس حزب جديد.

يوحي لي المشهد المنتشر حولي بكل هذا التدفّق، أن (قعدة) الأصحاب لا تنفضُّ، هذه الأيام، إلا بالاتفاق على (كومةٍ) جديدة من الأحزاب.

تريثوا بعقولنا التي أتعبتها الأسئلة يا مندفعين بلا هوادة نحو موضة الأحزاب، بعد أن طلّقتم، على ما يبدو، إلى غير عودة موضة الصالونات. فهل هذه من تلك؟