الأغنية في خدمة العدالة

جهاد المنسي

أسعدني جدا قيام فنانين أردنيين وعرب بأوبريت غنائي بعنوان (روح الروح) ضمن فعاليات اليوم التضامني العربي مع غزة وفلسطين في صالة الأرينا، وأسعدني أكثر مشاركة مغني الراب الأردني (أستاذ سام) مع الفنانين في هذا الأوبريت العربي، من خلال أغنية خاصة له، فأنا شخصيا واكبت انطلاقة هذا الفنان الشاب، واستمعت للكثير من وصلاته، ومشاريعه، ولطالما كان يهدف في بداية انطلاقته لجعل (الراب) كموسيقا في خدمة قضايا الأمة العادلة، وأبرزها القضية الفلسطينية، والقضايا الإنسانية على مستوى العالم، إضافة إلى الإضاءة على قضايا مجتمعية مهمة تتطلب معالجة فورية.

كان الفنان التشكيلي ورسام الكاريكاتير المرحوم الفنان زكي شقفة والد الأستاذ سام، جارا، وصديقا مقربا، وكنت وإياه زملاء في مهنة المتاعب الصحافة، فهو كان يعمل في الزميلة (الرأي)، وأنا في (العرب اليوم) ومن ثم في (الغد)، وكنا نتناقش مطولا حول قضايا مختلفة، ومواضيع سياسية ومجتمعية وفنية، ومعارض كان يقيمها المرحوم زكي شقفة (أبو شادي)، إلى أن جاءت جائحة كورونا، ففجعتني بوفاته وزوجته، بفارق بينهما لا يتعدى يومين فقط. 

في تلك الأثناء كان (الأستاذ سام) مقتنعا تماما أنه يمتلك رؤية إنسانية لموسيقا (الراب) تتضمن وضعها في مكانها الصحيح، وجعلها أكثر إنسانية والتصاقا بالناس، تحاكي مشاكلهم وتعكس تطلعاتهم وتضيء على كل الجوانب السلبية في حياتهم سواء الفقر أو البطالة أو مكافحة التدخين والمخدرات وقضايا مجتمعية أخرى، فكان يكتب ويغني ويجرب منذ كان في بداياته الجامعية وربما قبل ذلك، وانعكست الرؤية الفنية التي كانت لوالده عليه، فعززت من رؤيته الفنية والإبداعية.

ولأننا في الأردن الأكثر التصاقا على الدوام بالقضية الفلسطينية وصراع الشعب الفلسطيني مع الاحتلال الفاشي الغاصب، وسعيه الدائم الذي لا كلل ولا ملل فيه لنيل استقلاله وكنس الاحتلال عن أرضه ومقدساته، فإنه بطبيعة الحال انعكس ذاك على موسيقا سام كما انعكست سابقا على الأعمال الفنية لوالده سواء التشكيلية او الكاريكاتيرية.

عندما طالعت تكريم فنان الراب الأردني أستاذ سام، وذلك لمشاركته في أوبريت «روح الروح» تحت شعار «القدس في وجدان الهاشميين» مع نخبة من الفنانين الأردنيين إضافة للفنان سام كل من: ديانا كرزون، صفاء سلطان، غادة عباسي، هاني متواسي، زين عوض، ومن فلسطين: عمار حسن، وصابرين كمال، ومن لبنان: معين شريف، علاء زلزلي، ومن تونس: لطفي بوشناق، ومن مصر: غادة رجب) فيما قدمت فرقة جامعة الاستقلال الفلسطينية، لوحات حركية، وكتبه الشاعر الفلسطيني رامي اليوسف ولحنه الفنان اللبناني سليم سلامة ووزعه موسيقيا الفنان اللبناني طوني سابا، حيث قدم المشاركون أغنيات فردية في بداية الحفل، معربين عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني، وما يتعرض له أهالي قطاع غزة، من حرب إبادة من قبل قوات الاحتلال منذ السابع من شهر تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وقد تم اختيار الأردن لإقامة الفعالية التضامنية، باعتباره الأقرب وجدانيا للشعب الفلسطيني، وسبق انطلاق الفعالية التضامنية، إقامة (بازار سوق فلسطين)، في فضاءات مسرح الأرينا، إضافة لمعرض التضامن الطبي، الذي خصص ريعه لأهالي قطاع غزة، فضلاً عن تنظيم حملة تبرع بالدم تحت عنوان (دمنا لغزة)، بالتعاون مع وزارة الصحة/بنك الدم، فضلا عن جمع تبرعات لصالح الأهل في القطاع.

الحقيقة أننا نحتاج أن نوظف كل طاقاتنا الشعرية والإعلامية والفنية، والإنسانية لكشف حقيقة هذا الكيان الغاصب، وتقديم وجه مختلف للعالم عن حجم الدمار الذي يخلفه، وحجم المعاناة التي ولدها لدى شعب يقاوم الاحتلال ويصر على نيل استقلاله المشروع، وإظهار فداحة ما يرتكبه من مجازر بحق الأطفال والنساء والشيوخ والبيوت والمدارس والمستشفيات والفنانين والإعلاميين والرياضيين، والبنية التحتية وغيرها من مآسٍ شاهدناها وما زلنا نشاهدها بشكل يومي، سواء في قطاع غزة أو في الضفة الغربية.