"المؤتمر الإنساني" بالأردن.. هل يكون منطلقًا لإعادة إعمار واغاثة غزة؟
غدًا الثلاثاء تتجه الأنظار صوب مركز الملك الحسين بن طلال للمؤتمرات في منطقة البحر الميت غربي العاصمة عمّان، حيث يستضيف الأردن مؤتمرا دوليا للاستجابة الإنسانية الطارئة في غزة، بتنظيم مشترك مع مصر والأمم المتحدة.
وينعقد المؤتمر وسط كارثة إنسانية غير مسبوقة يشهدها القطاع الفلسطيني؛ جراء حرب إسرائيلية مستمرة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، رغم إدانات ودعوات إقليمية ودولية بإنهاء الحرب المدمرة.
وخلفت الحرب أكثر من 121 ألف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، وحوالي 10 آلاف مفقود وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة العشرات.
ويتهرب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وفق المعارضة، من إبرام اتفاق مع حركة حماس لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، على أمل تحقيق مكاسب عبر الحرب، في محاولة للاستمرار في منصبه.
ومع مواصلة الحرب، فإن الجانب الإنساني أولوية قصوى في المرحلة الراهنة، ولذلك فالوصول إلى "الالتزام بتنسيق استجابة موحدة للوضع الإنساني في غزة” هو أحد أهداف المؤتمر، حسب ما أعلنته عمّان.
وللعام الـ18، تحاصر إسرائيل قطاع غزة، وأجبرت حربها نحو مليونين من سكانه، البالغ عددهم حوالي 2.3 مليون فلسطيني، على النزوح في أوضاع كارثية، مع شح شديد في الغذاء والماء والدواء.
ووسط اتهامات دولية لإسرائيل باستخدام "التجويع” سلاحا في الحرب، تقول الأمم المتحدة إن المساعدة الإنسانية المحدودة للغاية التي يُسمح بإدخالها إلى غزة "لا تصل إلى السكان”، مؤكدة أن تل أبيب لا تفي بواجباتها القانونية.
وبهدف "تحديد سبل تعزيز استجابة المجتمع الدولي للكارثة الإنسانية في قطاع غزة”، يشارك في مؤتمر عمّان قادة دول ورؤساء حكومات ومنظمات إنسانية وإغاثية دولية، بحسب بيان للديوان الملكي الأردني.
واعتبر أكاديمي، في حديث للأناضول، أن توقيت المؤتمر ومضمونه الإنساني والدفع نحو إعادة إعمار القطاع يشي بأن الساحة الدولية تتهيأ لما بعد الحرب على غزة. كما رأى محلل أن المؤتمر يؤكد ضرورة إنهاء الحرب والانتقال إلى الإغاثة ثم إعادة الإعمار.
ما بعد الحرب
أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الهاشمية (حكومية) جمال الشلبي إن "المؤتمر يأتي ليؤكد من ناحية على فداحة الجرائم الوحشية التي ارتكبتها وترتكبها إسرائيل تجاه الشعب الفلسطيني الأعزل في غزة منذ أكثر من ثمانية أشهر”.
وتابع: "مع الدعوة الصريحة، من ناحية ثانية، لمواجهة هذا الواقع الأليم، عبر التركيز على البعد الإنساني الأكثر أهمية اليوم من أي وقت سابق”.
واعتبر أن ما "زاد من حجم المأساة الإنسانية للشعب الفلسطيني في غزة هو فشل الباحثين والأكاديميين والمتخصصين في صراعات الشرق الأوسط وحروبه في معرفة مسار الحرب أو حتى معالم التخفيض أو التهدئة المطلوبة للبدء في التفاوض على إنهائها”.
وهو سبب "دفع الأردن إلى أخذ العديد من المبادرات للتخفيف عن هذا الشعب الأعزل”، ومن بينها مؤتمر الثلاثاء، وفق الشلبي.
ورأى أن "توقيت المؤتمر ومضمونه الإنساني، فضلا عن الدفع قدما في عملية إعادة الإعمار لقطاع غزة، يشي بأن الساحة الدولية تعيش مرحلة ما بعد غزة، أو حسب المفردات السياسية والإعلامية الغربية وإسرائيل اليوم التالي للحرب”.
وأرجع أهمية تنظيم المؤتمر إلى وجود "تصور ما لدى الدول الفاعلة والمؤثرة في هذه الحرب، وبالخصوص الولايات المتحدة وأوروبا، بأننا نتجه بالضرورة إلى إنهاء العمليات الإسرائيلية والبدء في تفاوض عربي فلسطيني إسرائيلي للتوصل إلى حل مشكلة الشعب الفلسطيني بالعموم، وشعب غزة بالخصوص، الممتدة منذ 76 عام”.
ومنذ عام 2014، توقفت مفاوضات السلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لأسباب بينها تمسك تل أبيب باستمرار الاستيطان في الأراضي المحتلة، وتنصلها من إقامة دولة فلسطينية على حدود 4 يونيو/ حزيران 1967، وعاصمتها القدس الشرقية المحتلة.
وتوقع الشلبي أن يكون "هناك فرصة كبيرة جدا أن يصبح هذا المؤتمر عمل دبلوماسي سنوي دائم ودوري، يتم من خلاله طرح القضايا المتعلقة باللاجيئين وضحايا الحروب في المناطق التي تتعرض للأزمات والصراعات”.
ورأى أن "تنظيم المؤتمر على الجغرافيا الأردنية يمثل نجاح سياسي ودبلوماسي أردني سينعكس بالتأكيد على دور المملكة في هذه الحرب التي تعد نفسها (عمّان) من أوائل المتأثرين بها، كما هو الحال بالنسبة لمصر”.
وتجاور مصر والأردن الأراضي الفلسطينية ويرتبطان بمعاهدتي سلام مع إسرائيل منذ عامي 1979 و1994 على الترتيب.
وحسب الشلبي، فإن تنظيم مؤتمر أردني مصري يؤكد على "محورية التنسيق” بين البلدين في كافة قضايا المنطقة، وخاصة القضية الفلسطينية التي "ستؤدي انعكاساتها الخطيرة على تهديد الأمن القومي للدولتين في الحاصر والمستقبل”.
ومن المكاسب المحتملة من المؤتمر، كما أردف، أنه "سيعيد إحياء الدور الأردني كفاعل أساس ومحوري في المنطقة، والذي ظن البعض بأنه من الممكن تجاوزه، خاصة بعد عمليات التطبيع (بين دول عربية وإسرائيل) التي سادت المنطقة منذ عام 2020”.
المراحل النهائية
وفق المحلل الاستراتيجيعامر السبايلة، فإن "المؤتمر يؤسس لموضوع غزة على الصعيد الدولي، بمعنى أنه وصلنا إلى المراحل النهائية في هذه الحرب ولا بد من خطوات عملية لإيقافها، والانتقال إلى إغاثة غزة وإعادة إعمارها”.
ومضى "المؤتمر يقدم غطاء دولي ويؤسس لفكرة الإغاثة ثم إلى إعادة الإعمار، وأنا باعتقادي أنه سيكون مؤتمر هام”.
واعتبر أن ما أسماه "الحشد” للمؤتمر يهدف إلى "انخراط أكبر للمجتمع الدولي في الموضوع، وبالتالي تأمين غطاء دولي وتأمين مصادر لعمليات الإغاثة القادمة”.
السبايلة رجح أن "تكون المشاركة الدولية بمستويات جيدة”، مرجعا ذلك إلى ما اعتبره "تحركا أردنيا كبيرا خلال الأزمة”.
واستطرد: "صحيح أنه من المتوقع أن تكون النتائج عن ضرورة وقف الحرب، لكن ربما سيخلص إلى تأطير للإغاثة الإنسانية وحتى التأسيس لمسألة إعادة الإعمار”.
وتواصل إسرائيل حربها على غزة رغم قرار مجلس الأمن الدولي بوقف القتال فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية بإنهاء اجتياح رفح (جنوب)، واتخاذ تدابير لمنع وقوع أعمال إبادة جماعية، وتحسين الوضع الإنساني المزري بالقطاع.
كما تتحدى إسرائيل طلب مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية كريم خان إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعها يوآف غالانت؛ لمسؤوليتهما عن "جرائم حرب” و”جرائم ضد الإنسانية” في غزة.
ليث الجنيدي/ الأناضول