بين يوبيليْن

مصطفى توفيق أبو رمّان

بين اليوبيل الفضي للحسين الباني طيّب الله ثراه في العام 1977، واليوبيل الفضي لعبد الله الثاني بن الحسين في العام 2024، مرّ 47 عامًا مليئة بالإنجازات والمكابدات والتقلّبات والآلام والآمال. الخيط الجامع بين اليوبيليْن هو عزيمة البناء عند القادة الهاشميين، إصرارهم منذ الملك المؤسس عبد الله الأول على جعل مسيرة النماء حقيقة تمشي على الأرض، وينعم بها أبناء المملكة الأردنية الهاشمية من شتى الأصول والمنابت. أما القاسم المشترك الأعظم بينهما (اليوبيلان)، فهو هذا الالتفاف الموالي المبرئ الصادق النابع من كروم الأرض وعروق الفداء الذي قدمه الأردنيون لقيادتهم الهاشمية هاتفين "نمد ولاءنا حواليْكم سياجًا من محبتنا". نعم تجلّت محبة الأردنيين للهاشميين وولاؤهم وبراؤهم لهم بوصف كل ذلك سياجًا ومنهج تواصل وعنوان وجود.

هذا العقد صنع الدولة الأردنية، وأمدها بأسباب البقاء، والازدهار، والصمود في وجه الرياح العاتيات.
عام 1977، وإبّان احتفالات الأردن باليوبيل الفضي لجلوس الحسين الباني طيّب الله ثراه على العرش، كان عمري عشرة أعوام، وأتذكر كل تفصيلة من تفاصيل هاتيك الأيام الخوالي، وأذكر أن الاحتفالات توّجت بحفل عام كبير على ستاد عمّان الدولي، ويومها شاهدنا لأول مرّة ونحن صغار اللوحات الخلفية التي نفذها طلبة مدارس المرحلة الإعدادية، فيما قدمت طالبات وطلاب لوحات أدائية راقصة فوق أرض الملعب، ويومها أثبت مدربون ومدربات ومعلمون ومعلمات وموجهون وموجهات أن العربي يقدر على تحقيق أجمل الإنجازات حين تتوفر الإرادة والدعم والنوايا الصادقة. يومها كان نشيد الناس أجمعين: 
"معه وبه إنّا ماضون.. 
فلتشهد يا شجر الزيتون
قد أحببناه وبايعناه
وزرعنا الراية في يمناه
وحلفنا بتراب الأردن
بأن يبقى فالكل فداه
لعيونك كل أغانينا
يا وطنا مزروعًا فينا
برموش الأعين سيجناك
وأودعناك أمانينا
ومعًا أقسمنا أنْ نبقى
يا وطني أبدًا أحبابا
ماء وسماء وتُرابا
ودمًا وزُنودًا وحِرابا
فلتشهد يا شجر الزيتون
إنّا معه وبه ماضون".

من أشعار حيدر محمود وألحان السوري شاكر بريخان، وهو النشيد الذي ما يزال على ألسنة الناس وفي أعماق وجدانهم حين يتعلق الأمر بالملك الهاشمي عبد الله الثاني بن الحسين، فالنشيد ما يزال هو النشيد، لأن الأصل في المعنى أننا معهم وبهم إنّا ماضون، ومعهم وبهم هنا تعود على الهاشميين جميعهم لا نستثني أحدا.
بين عبد الله المؤسس وعبد الله المعزّز حكاية وطن بناه الناس برموش عيونهم:
"هي متوالية المجد يا سيدي..
غصونُ شجرةٍ مُقَدَّسَةٍ يكادُ زيتُها يضيء..
ولو لم تمسسهُ نار..
نورٌ على نور..
لمن المضارب يسأل عبد الله الأول..
فيطلع الجواب من بطون بادية عصيَّةٌ على العِدى..
مطواعةٌ على الكِرام أبناء الكرام..
المضارب لكم يا أبناء هاشم..
منذ صيحة الشريف وحتى سيف ملك القلوب
سيف الحق حتى يوم الحساب..
طويت المراحل يا أوّلنا..
وها هو الثاني يقرّ للمؤسس.. 

يسير على خُطى الباني.." (من كتابي "لمن المضارب").
طوبى لنا بكم أيها الهاشميون، سماء عالية أنتم من المعالي والمعاني، أنتم إجابات أسئلتنا جميعها حيث العهد هو العهد والقسم. لكل أرض حماتها.. وأنت يا صاحب اليوبيل الجديد المتجدد نبت المفاخر:
"سياجنا الباقي..
نسرٌ من نسور سمائنا..
عِقال عسكرنا ومعسكرنا..

تزهو بالبدلة الميري كأنك لوحة البهاء في بوادينا
"رمحٌ عربيّ القامة قرشيّ الحد"..
حسنُ المعشر أنت يا سيدي أبا الحسين.. نقيُّ الجوهر
أنت عمّان ومعان والسلط وكرك الشموخ
أنت الطفيلة وصوت رجالات القبيلة..
المفرق والوادي الأخضر وجرش التاريخ
عجلون الذاكرة.. إربد التل وباقي التلال..
الفحيص وماحص

آخر حجر للبناء وللبقاء عند حدود الرمثا..
ثغرنا الباسم البسّام.. لحظة عناق الأديان في مادبا..
وفي كل ركن من أركان الوطن الغالي..
أنت الملكُ الهُدْبُ الجبينُ العالي
أنت جواب السائل عن الخيل الأصايل". (من كتابي "لمن المضارب").
أما الحسين الباني الذي عشت يوبيله طفلًا، فأقول له مما جاء في كتابي "لمن المضارب":
"طيّب الله يا خير الرجال ثراك..
من السنديان رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه
من طهر الأراك
طيّب الله ثراك..
أيُّ كحلٍ مُعَطَّرٍ بالمسرّات
أيُّ بهجةٍ ينعم بها من رآك
طيّب الله ثراك
واسعٌ والله يا سيدي هذا المدى..
واسعٌ من مداك
طيّب الله ثراك".

طيّب الله ثرى أبا عبد الله وأطال بعمر أبا الحسين، وأقول لك سيدي أبا الحسين إن الذهب يليق بك، وما هي سوى رمشة من عين الزمن وإذا بنا، إن شاء الله، نحتفل بيوبيلك الذهبي ونحن نزهو بأحلى ثمار الحصاد، وأندى مآثر البلاد، وإذا بنا نواصل الالتفاف حول عرشكم الهاشميّ بحبلٍ قويٍّ متينٍ من الوداد والمَداد.