القوة والمقاومة... المتغير والثابت !!
محمد داودية
ستظل نكسة حزيران 1967 وما جرّته من ويلات، أكبر الشواهد على سقوط نموذج الدولة العسكرية العربية، التي حلت محل الدولة المدنية، وحطمت الحريات والبُنى الدستورية والقانونية التي كانت في طور النضج والاستقرار، لصالح شهوة السلطة، التي أغرت العسكرتاريا العربية المخبولة، للقيام بانقلاباتها الفقيرة إلى النضج والنزاهة والسماحة.
جرتنا العسكرتاريا العربية إلى هزيمة أسفرت عن احتلال الضفة الغربية والقدس والهضبة السورية وسيناء.
يوم الخامس من حزيران 1967 صدّقنا أحمد سعيد كبير مذيعي إذاعة «صوت العرب» الذي أطلق شعار قذف اليهود في البحر و«تجوّع يا سمك».
أوهمنا الإعلامُ الثورجي الديماغوجي، أننا سنقف على بحر يافا، المُشبّع بعطر البرتقال والليمون والقوارب، واننا سنحرر فلسطين من الغزاة الصهاينة، الذين شردوا اخوتنا وقارفوا المذابح الوحشية في دير ياسين وكفر قاسم وقلقيلية واللد ويالو والدوايمة وقبية ويازور والبريج ونحالين وغزة وخانيونس وغيرها.
أذهلتنا الهزيمة العربية الماحقة، وأذهلتنا إبادة الطيران العربي في حظائره، ومزقنا صمت صواريخ التحرير الظافر والقاهر التي توعد أحمد سعيد بها كيان الاحتلال الإسرائيلي !!.
هرعنا مجموعة من الأصدقاء إلى مخفر شرطة المفرق للتطوع. وجدنا ضابط الشرطة الشاب يضع رأسه بين يديه وينتحب. رأينا الهزيمة والانكسار في عيني ضابط الشرطة الكركي الوطني. كان مشهد الضابط المخذول مثل «فجّة» الضوء الساطع.
كانت القضية الفلسطينية قضية شخصية كان إخوتنا اللاجئون في المفرق، من بئر السبع ويافا واللد والناصرة والجليل وحيفا، يصفون لنا الشوارع ويرسمون لنا عناوينهم في مدنهم الفلسطينية، وكنا نتوق لتحريرها وتلبية دعواتهم لزيارتهم فيها.
في الحسابات النزيهة المنصفة، قدمت الجيوش العربية، آلاف الشهداء في الحروب التي خاضتها مع المشروع التوسعي الاستيطاني الصهيوني، بسبب هزال القيادات، وطموحاتها الإمبراطورية، التي أدت إلى إرسال جنود مصر إلى حروب عبثية في اليمن !!.
إن عامل القوة الذي تتوكأ إسرائيل عليه، عامل متغير متبدل في الزمان والمكان، وقد برهنت المقاومة الفلسطينية المشروعة ضد الاحتلال الإسرائيلي، التي لم تتوقف منذ 100 عام، ان الشعوب، كل الشعوب، ونموذجها شعب فيتنام والشعب العربي الفلسطيني، تواجه الاحتلال بالمقاومة، كل أشكال المقاومة، والمقاومة تعني الشهداء، والدم ار، والصبر، على التكاليف، والاستعداد لجولة مقاومة أخرى وأخرى.