ذكرى «النكسة».. ما الذي تغير بعد 57 عامًا؟

علي ابو حبلة

مضى 57 عاما على نكسة حزيران لكن تبعاتها السياسية والجغرافية لم تنته بعد، ولم تتمكن إسرائيل من فرض سيادتها ومخططها على الأرض الفلسطينية والعربية ، تشن إسرائيل حربها على قطاع غزه والضفة الغربية بعد أحداث السابع من أكتوبر « معركة طوفان الأقصى « وهي حرب تتسم بسياسة الأرض المحروقة والإبادة الجماعية، هناك تغيرات إستراتجية أحدثتها حرب إسرائيل على غزه وقد قاربت على شهرها التاسع وهو أمر لم تعتد عليه إسرائيل طيلة سنوات اغتصابها لفلسطين وإقامة «دولة إسرائيل « منذ عام 1948.

تختلف ذكرى النكسة لهذا العام من جهتين: فهي توحد الفلسطينيين وتشعرهم بأن هناك تحولا استراتيجيا في قضيتهم وتتطلب توحيد الفلسطينيين وإنهاء الانقسام الذي ما زال نقطة ضعفهم ، ومن جهة أخرى أحدثت تغيرا في الوعي الغربي وهي نقطة تحول لصالح القضية الفلسطينية.

لم يحدث في تاريخ « إسرائيل « أنها حاربت لمدة 8 أشهر متصلة. ولم يحدث في تاريخ العالم أن تعرض شعب لحصار من البر والبحر والجو، واستخدمت ضده أحدث أنواع الأسلحة، وأبشع الأساليب البربرية الوحشية، واستمر في الصمود كما هو الشعب الفلسطيني. ولم يكن في حسبان إسرائيل عندما بدأت العدوان الوحشي أن الحرب ستستمر لأشهر، فالفلسطيني هو المستهدف في حرب الإبادة. ولا ترى إسرائيل استمرار وجودها إلا في ترحيل الفلسطينيين وتهجيرهم . هذه الحرب من وجهة نظر قادة الاحتلال هي حرب وجود نصر أو هزيمة، بل إنها حرب بقاء أو فناء. ولن تستطيع إسرائيل مهما اعتمدت على القوة الغاشمة الوحشية أن تنتصر على شعب زاده هو إرادة البقاء، والتصميم على الحياة حرا مستقلا في دولة ذات سيادة، على مقاس تضحياته جيلا بعد جيل. دولة ليست على مقاس حماس، ولا على مقاس فتح، ولا مقاس السلطة الفلسطينية، ولا على مقاس أي طامع في سلطة، وإنما دولة على مقاس تضحيات الشعب الفلسطيني، مع الاعتراف بأن الفضل كل الفضل إنما يعود إلى صمود الشعب الفلسطيني وتضحياته، وأنه هو صاحب الإرادة الحرة في تقرير مصيره.

إن حركة طلاب الجامعات المؤيدة للقضية الفلسطينية في كل أنحاء العالم، والتي ترددت أصداؤها حتى في جامعة تل أبيب هي انعكاس لثبات وصمود الشعب الفلسطيني الذي يتعرض لأبشع حرب شهدنها البشرية في تاريخها الحديث ويقف العالم عاجزا عن ثني إسرائيل على مواصلة حرب الإبادة وسياسة التجويع وقد أظهرت الحرب هذه عنصرية إسرائيل وعزلتها عن دول العالم الذي بات يندد بجرائم إسرائيل وأحدثت رد فعل غاضبا تمثل في اعتراف العديد من الدول الأوروبية بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني واعترافهم بدولة فلسطين.

الحرب التي تشنها إسرائيل على غزه وشارفت شهرها التاسع وفي ظل ثبات وصمود الشعب الفلسطيني في مواجهة اعتي حرب أباده تقودها دولة الاحتلال منذ تاريخ إنشاء الكيان الصهيوني عام 1948 ومنذ تاريخ نكسة حزيران لغاية اليوم لم تتمكن خلال هذه السنوات إسرائيل من تصفية القضية الفلسطينية رغم تنكرها للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ، ثبات وصمود الشعب الفلسطيني أعاد للقضية الفلسطينية أهميتها وأوليتها وعادت لتتصدر أولوية الأجندات الدولية وهو التغير الحاصل في ذكرى نكسة حزيران ال 57.

اكتسبت فلسطين وبعد 76 عاما من نكبة فلسطين و57 عاما من نكسة حزيران اعترافا بها كدولة من عدد أكبر في دول العالم، في حين خسرت إسرائيل في المحافل الدولية بوقوف دول ضدها حيث رفعت جنوب أفريقيا قضية تتهم فيها إسرائيل بشن حرب أباده ضد الشعب الفلسطيني لدى محكمة العدل الدولية مدعومة بمجموعة من الدول العربية ودول العالم ، وسحب دول أخرى لسفرائها مثل البرازيل. كما قررت دول كانت تعتبر حليفة لإسرائيل فرض عقوبات عليها، منها وقف صادرات الأسلحة مثل كندا وهولندا. وهذا يعزز انتصار ثبات الشعب الفلسطيني ويعزز الهوية الوطنية الفلسطينية وتحقيق أهداف ومصالح الشعب الفلسطيني ، سواء كان ذلك في المجال الدبلوماسي أو الاقتصادي أو العسكري أو القانوني أو في المجال السياسي بشكل عام.

لقد لحقت بإسرائيل خسارة استراتجيه تمثلت في «إسقاط إستراتيجية الردع» التي كانت تتيح لإسرائيل حرية الحركة المطلقة ضد الفلسطينيين وضد الشعوب الأخرى في المنطقة من دون الأخذ في الاعتبار أي حسابات غير تحقيق المصلحة الإسرائيلية كما تراها حكومتها، ومع بداية الشهر التاسع من الثبات والصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني تبدو صورة إسرائيل في العالم على حقيقتها؛ دولة استعمارية استيطانية عنصرية، تمثل سياستها خطرا شديدا على العالم وعلى النظام الدولي، جراء ما ترتكبه من مجازر في حرب الإبادة أدت لإصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس حكومتها نتنياهو ووزير الحرب غالانت ، ورغم ما تظهره من استهتار بالقانون الدولي، ومن القدرة على الإفلات من العقاب، متمتعة بحصانة شريرة يوفرها لها الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن الدولي إلا أن إسرائيل ليست هي التي كانت قبل الـ 57 عاما من نكسة حزيران.