قاتلو الأطفال

إسماعيل الشريف
 
هذه الحرب هي حرب على الأطفال - فيليب لازاريني، رئيس الأونروا

في تقرير للأمم المتحدة، ورد أن الكيان الصهيوني قتل أطفالًا في مجزرة غزة خلال أربعة أشهر، ما يفوق عدد ضحايا الأطفال في جميع الحروب التي شهدها العالم خلال أربع سنوات (2019-2022) في سوريا، العراق، أفغانستان، وأوكرانيا مجتمعة. وأشار التقرير إلى أن نسبة استهداف الأطفال في هذه الحرب تفوق معدلات استهداف الأطفال في أي من الحروب المسجلة في التاريخ.

وتؤيد جماعات حقوق الإنسان هذه التقارير وتضيف أن عائلات كاملة قد أبيدت! والسبب هو أن أطفال اليوم هم مستقبل فلسطين، والصهاينة يريدون مستقبلاً خالياً من الفلسطينيين!

لا تخفي الدولة المارقة نواياها في قتل الأطفال، فتجد قميصاً يرتديه جندي صهيوني مكتوب عليه «طلقة واحدة تقتل اثنين» مع صورة امرأة فلسطينية حامل. وفي مقابلة مع جندي آخر يقول: «لم أجد طفلاً فلسطينياً آخر لقتله، فقد قتلتهم جميعاً!». وهناك مجموعة استيطانية على واتساب تحمل اسم: «اقضوا اليوم على إرهابي الغد». ويقول لاعب كرة القدم الصهيوني الشهير شون وايزمان: «أطفال غزة في عام 2014 أصبحوا قتلة في عام 2023».

يكمن السر في التركيبة السكانية؛ فالدولة المارقة هي مشروع استعماري استيطاني لا يختلف عن المشاريع الاستيطانية الأخرى في الولايات المتحدة، وكندا، وأستراليا، وجنوب أفريقيا. فالمشاريع التي نجحت بإبادة الشعوب الأصلية، مثل كندا وأستراليا والولايات المتحدة، أصبح فيها المستوطنون الجدد الأكثرية، فحققت النجاح. أما المشاريع التي كان فيها المستوطنون أقلية، فقد فشلت، مثلما حدث في جنوب أفريقيا.

تداول الأصدقاء على واتساب جزءًا من محاضرة لعالم السياسة الأمريكي الشهير جون ميرشيمر في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS). ميرشيمر هو نفسه الذي قال عام 2014 إن الولايات المتحدة تحتاج إلى التحالف مع روسيا لمواجهة الصين والتعامل مع إيران وأفغانستان. ولكن في الولايات المتحدة، لا أحد يهتم بما يقوله علماء السياسة، فالذي يحكم الإمبراطورية هو المجمع الصناعي العسكري واللوبيات الصهيونية والعقائد المريضة.

في محاضرته، أشار ميرشيمر إلى أن عدد أصحاب الأرض الفلسطينيين يقارب عدد الصهاينة في فلسطين التاريخية، وطرح السؤال حول كيفية حل الغزاة لهذه الإشكالية. وذكر أن لديهم أربعة خيارات:

1- أن تكون هناك «إسرائيل الديمقراطية»، وهذا لن يكون.

2- حل الدولتين، وهذا لن يحدث بعد طوفان الأقصى.

3- الفصل العنصري، وهذا لن ينجح.

يبقى خيار واحد وهو التطهير العرقي، أي التخلص من الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، وهذا ما يحصل الآن.

قبل طوفان الأقصى، قررت الولايات المتحدة والدولة المارقة أن يكون الكيان دولة فصل عنصري. ولكن تطلق عليها وسائل الإعلام الغربية، وهي إحدى أدوات الإمبريالية، «الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط». اتبعوا استراتيجية القضاء البطيء والتدريجي على الفلسطينيين، حيث حاصروا غزة، وبنوا المستوطنات في الضفة الغربية.

في هذه الأثناء، بدأت الولايات المتحدة بالابتعاد عن المنطقة والتوجه نحو مواجهة الصين. وقال حينها مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان: «المنطقة أكثر هدوءًا مما كانت عليه قبل عقود»، ولكن أثبت طوفان الأقصى أن الولايات المتحدة يحكمها حمقى!

لذلك، نرى الاستهداف الواضح للأطفال في مجزرة غزة. من وجهة النظر الأمريكية والصهيونية، الطريقة الوحيدة لإلغاء الفصل العنصري التي أثبتت فشلها هي الإبادة الجماعية للفلسطينيين، وفي مقدمتهم الأطفال. بالإضافة إلى ذلك، يعتقدون أن استهداف الأطفال واستخدام القوة المفرطة سيضغط على حماس، ويخيف الآباء، ويتسبب في أذى نفسي وإعاقات كبيرة لمن بقي من الأطفال، مما يدفعهم إلى الانتقال إلى دول أخرى.

يعلق رئيس مجلس الأمن القومي الصهيوني السابق، جيورا إيلاند، على تحذيرات الأمم المتحدة من كارثة إنسانية ومن انتشار الأوبئة بسبب تراكم النفايات، قائلاً: «يجب أن لا نخجل من هذا الأمر، فتفشي الأوبئة في غزة سيقرب النصر ويقلل من خسائرنا. الأمر لا يتعلق بالقسوة لمجرد القسوة، بل بتحقيق الأهداف!»

ما يجري في غزة هو معجزة، حيث يتألم الفلسطينيون ويضحون بفلذات أكبادهم. ومع ذلك، فهم بإذن الله منتصرون، فالعدو يضعف مع كل طفل يقتله، ويزداد الشرخ في صفوفه وتضعف ثقته بنفسه.

هي دماء أطفالنا الزكية في غزة التي ستكنس الاحتلال. فالعالم القديم، الذي يعيش على دماء الأطفال، يموت ويتشكل عالم جديد يخرج أطفال غزة من رحمه. أقبل نعال أطفال غزة في كل صرخة ودمعة ورعشة، فقد علموا العالم كيف تكون الرجولة.