بلوك آوت: حملة حظر المشاهير
إسماعيل الشريف
«الكثير من المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي هم مجرد واجهات خالية من المضمون، يبيعون الوهم لمن يصدقهم.» - أحمد الشقيري
في عام 1791، أعدمت ملكة فرنسا ماري أنطوانيت لجملة قالتها حين ثار الفرنسيون: «إن لم يجدوا الخبز فليأكلوا البسكويت». بعد مئتين وخمسين عامًا، بدأ أحفاد أنطوانيت يفقدون متابعيهم الذين هم حياتهم لجملة قالتها عارضة الأزياء الشهيرة هايلي بيلي في حفل ميت غالا في نيويورك، حيث قالت: «دعهم يأكلون الكعك!».
تبدأ قصتنا في حفل أزياء ميت غالا الشهير في نيويورك في بداية شهر مايو الماضي، وهو أشهر مناسبة خيرية في العالم يعرض فيها نجوم الأزياء والفن والمشاهير أحدث صيحات الموضة. وعلى مقربة منهم كانت تجري مظاهرات مؤيدة لغزة.
هذه الجيرة فتحت أعين المتظاهرين على مواقف المشاهير من حرب غزة، وأدت إلى ما يعرف بمقاطعة المشاهير وحملة الحظر. بدأت هذه الحملة على حساب على تيك توك بعنوان @blockout2024، حيث نشر أسماء المشاهير المؤيدين للصهاينة أو الذين فضلوا الصمت عما يجري من مجازر في غزة، فاعتبروهم متواطئين مع الصهاينة.
في بدايات طوفان الأقصى، كان يؤلمنا لَوْذُ مشاهيرنا المفضلين بالصمت عما يجري في غزة. شعرنا بالإحباط والغضب من تقصيرهم في استخدام منصاتهم لإدانة المجازر التي تجري في غزة بدعم أمريكي.
لم نفهم هذا الإحجام آنذاك، فهؤلاء المشاهير ومنصاتهم هم جزء لا يتجزأ من المنظومة الاستعمارية. لا يريدون أي تغيير، فالتغيير قد يؤثر على إيراداتهم ومستوى حياتهم. فلتذهب غزة إلى الجحيم مقابل المال والشهرة التي يحصلون عليها.
عادة لا أحد يصبح مؤثرًا بعرق جبينه؛ فالممثلون عادة يشتهرون ليس بسبب موهبتهم، والمغنون ليس لجمال أصواتهم، والممثلات لسن الأجمل، والكتاب ليسوا الأفضل، ومؤثرو مواقع التواصل الاجتماعي ليسوا أفضل المواهب. إنما هم صناعة هذه المؤسسات التي تدر على أصحابها مليارات الدولارات. فهي علاقة تعاونية معقدة مع العديد من الأفراد والمؤسسات، وفي النهاية يصبحون ترسًا صغيرًا في هذه الصناعة، يرددون سردية الولايات المتحدة ويدفعون باتجاه الاستهلاك. ويجب الطاعة، وإلا سيعودون من حيث أتوا.
يعرف المؤثرون قواعد هذه اللعبة جيدًا وقد يقدمون التنازلات المطلوبة لتحقيق المجد والشهرة. ومن أهم الشروط التفاهة والمشاركة في غسل العقول والتسويق للسلع والمنتجات، وينتهي بهم الأمر عادة إلى الأنانية والنرجسية.
فالصفقة بسيطة للغاية: احصل على حياة مريحة وشهرة مقابل روحك وإخلاصك وعبوديتك. وإن تمردت فسنلفظك، وهناك الملايين الذين ينتظرون الحصول على فرصتك!
من بركات طوفان الأقصى أن المتابعين عرفوا أن القوة بأيديهم. فانتشرت حملات المقاطعة وأثرت تأثيرًا كبيرًا على بعض النجوم الذين لم يكن لديهم موقف واضح من غزة.
مُغنٍّ مصري تعرض لحظر حي ومباشر على شاشات التلفاز في بطولة أمم إفريقيا، حين أدار له جمهور نادٍ ظهورهم ورفعوا شارة النصر كما يظهر حنظلة في أحد رسومات الشهيد ناجي العلي. وفي الغرب فقد المشاهير ملايين المتابعين في أيام قليلة، مما حدا ببعضهم إلى تقديم موقف واضح مؤيد لغزة.
يكتب موقع @blockout2024: «المتابعون لهم السيطرة على أموال المشاهير وحياتهم. عندما نكرههم يكسبون المال، وعندما نحبهم يكسبون المال، ولكن عندما نحظر حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي فإنهم يخسرون كل شيء».
كما نجحت حملات المقاطعة للشركات العالمية التي اتخذ بعضها قرارات بتغيير سياساتها. سنسمع قريبًا تصريحات لمشاهير العرب تعبر عن الشعوب العربية. السؤال هو: هل سنسامحهم أم سيكون الأوان قد فات؟
اليوم، موقع إنستغرام اقترح عليّ الممثلة الصهيونية الشهيرة جال جادوت بعد أن فقدت ملايين المتابعين في أيام. شعرت بزهو الانتصار وأنا أضغط على زر الحظر!