تأملات بمناسبة اليوم العالمي للوالدين
بقلم عبدالله كنعان*
حظي بر الوالدين وطاعتهما بأوامر ربانية وتعاليم نبوية سبقت المبادرات والتشريعات التي صاغها الانسان، حيث قال تعالى في محكم التنزيل:((وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيما))، فالشكر والعبادة لله مقرونة ببر الوالدين، وتتفق جميع العقائد والحضارات والمجتمعات على اختلاف معاييرها وقيمها على علو مكانة الوالدين، فهم عنوان عظيم للتربية والتوجيه والرعاية، فجهودهم وتضحياتهم ومتابعتهم رغماً عن التحديات والصعاب أساس بناء الأمم والاجيال، ومهمتهم الفطرية لا تنقطع أبداً على الرغم من ظروف الحياة والتسارع الكبير فيها.
ولقد لفت انتباهي أن يكون اليوم الأول من حزيران من كل عام يوماً عالمياً للوالدين، مدركاً أن كل يوم ولحظة هي لهما، وذلك بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2012م، وبالطبع شعوراً بضرورة تقدير دورهما وتثميناً لمفهوم الأسرة والتي هي الركن المعنوي والمادي التي يقوم عليهما المجتمع، فهي الحصن المنيع والحضن الدافىء للأبناء، والبيئة الصحية للقيم النبيلة الكريمة، والسؤال المهم والذي خطر ببالي وأنا أدمع لما اشاهده كل لحظة من مظاهر مروعة من القتل والاسر والاعتداء على الاهل في فلسطين، هو أين العالم واحراره بما في ذلك منظماته التي تجتهد بتسمية أيام لم تغفل نظرياً أي فئة اجتماعية أو موضوعاً حياتياً الا عالجته واعطته اهتماماً وعناية، من هذه الاسر الجريحة المظلومة والتي تُقتل، أو في أحسن الظروف تشرد ويعيش من تبقى من أفرادها في مجاعة واوضاع صحية وخدماتية معدومة نتيجة لحروب الابادة الجماعية والتطهير العرقي كما يحدث في غزة، أُسر لم يعد فيها أب أو أم فقط الالم، بل لربما تجد الصغير أو الصغيرة فيها هي من تقوم بواجبات الوالدين، صغار عظماء صامدون رغم قسوة الاحتلال وشراسة جرائمه، تأملات تجعلنا لا نثق بأيام عالمية رهينة لسياسة الكيل بمكيالين والانحياز الواضح للظالم المستعمر.
أن تقبل يدي وقدمي والديك كل يوم طالباً منهم الدعاء بالتوفيق والابتسامة هي اقصى امنيات معظمنا، والمقترنة بذكريات وقصص نرويها للابناء والاحفاد، فما زالت مسامعي تترنم لكلمات أمي رحمها الله وهي تقول لي كل يوم (روح الله يرضى عليك يا عبد الله)، ولكلمات شقيقي الاكبر رحمه الله الذي تولى تربيتي منذ توفي والدي رحمه الله وأنا طفل صغير، وما بينها اقوال كثيرة وحكايات وذكريات تتضمن توصيتنا واخوتي وأخواتي بالانضباط والاجتهاد والبعد عن غضب الله أو التطاول لا سمح الله على حقوق العباد، وتربية بعيدة عن العصبية والطائفية وكره الآخر بل وجوب قبوله واحترام الرأي الاخر، ورسالة الوالدين وان كانت هي ذات المضامين والاهداف، الا أنها اليوم أصبحت تشمل مجالات واسعة وتواجه مصاعب وتحديات اقتصادية واجتماعية وتكنولوجية ومادية كثيرة، فتربية الابناء ومشقتها يتبعها جهود التعليم والاطمئنان على استقرار الابناء في العمل والزواج، لتنطلق فوراً مهمة اخرى وهي متابعة الاحفاد، هي مسيرة متواصلة، ومن المشاهد المزعجة اليوم انشغال الوالدين والابناء أيضاً عن التواصل الاسري بسبب الانشغال الاجتماعي فقد اصبح الهاتف والانترنت وملحقاتهما من مواقع التواصل الاجتماعي فضاء على اتساعه الا انه يحجب العائلة الواحدة عن الجلوس والاجتماع واللقاء والحوار والنقاش وتبادل الاراء.
وبمناسبة هذا اليوم العالمي اترحم على من مات من والدينا واقربائنا واصدقائنا واسال الله لهم المغفرة وجنات الفردوس والسلام لارواحهم، واترحم على من استشهد منهم وعلى كل شهداء فلسطين من ضحايا العدوان والاستعمار الاسرائيلي الهمجي المستمر منذ عقود على الشعب الفلسطيني، واتوجه برسالة قصيرة للاباء بالقول لهم ان رسالتنا مقدسة والامانة ثقيلة أعاننا الله عليها لتنشئة جيل واعٍ يقدر واجباته الاسرية والوطنية والقومية والانسانية، واقول للابناء بر الوالدين والحرص على الاستماع لهم والاقتداء بهم أمر ضروري بل اساسي في مسيرتكم، خاصة ان عطاء الاباء جاء كخبرة وتضحيات تراكمية يجب تقديرها.
أمين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس*