حديث الحسين
توجيه ملكي مهم بنيت عليه مداخل المملكة لمئويتها الثانية، عندما وجّه جلالته بضرورة البدء بعمليات تحديث في مسارات ثلاثة، سياسية واقتصادية وإدارية. وتنفيذا لتوجيهات جلالته السامية سعت الحكومة والقطاع الخاص وكافة الجهات ذات العلاقة للعمل على وضع الخطط والبرامج التنفيذية لتكون توجيهات جلالته واقعا ملموسا من قبل المواطنين.
لا يمكن تجاوز الكثير من خطى التحديث التي وصلت لها المملكة سياسيا واقتصاديا وإداريا، وباتت ثمارها واضحة يعيشها المواطنون، ويلمسون نتائجها إلى حدّ جيد، تحديدا في المسار السياسي، إذ تستعد المملكة لخوض انتخابات نيابية في أيلول القادم بقانون انتخاب جديد وبتفاصيل انتخابية جديدة تندرج ضمن أفضل مدارس الانتخابات على مستوى عالمي، وحتما ستقود لواقع تحديثي مختلف بأعلى درجات الإيجابية اقتصاديا وإداريا.
يبقى السؤال: هل يوازي التحديث الإداري والاقتصادي هذا النجاح السياسي؟ حتما الإجابة على هذا السؤال لن تتبعها ثقة «النعم» كما في المسار السياسي، وبرز ذلك في مقابلة سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولي العهد، مع قناة العربية، فقد تحدث سموه بوضوح عن عدم رضاه على الوضع الاقتصادي بنسبة 100%، وقال «أنا لست راضيا عن الوضع الاقتصادي 100 بالمئة، وأرى أن هناك فرصا أكبر يجب أن نستثمرها»، وفي إشارة أخرى لوجود تشوّه ما يزال قائما فيما يخص واقع الإدارة العامة، عندما قال سموه (هناك مؤسسات أعلم عنها، دون ذكرها، إذا تغيب 50 بالمئة من الموظفين فيها عن العمل، لن يكون هناك أي تأثير، وهذا ليس منطقيا. فمن الضروري أن نؤهل كوادرنا لنزيد الإنتاجية)، هي رسالة تحمل آلاف التفاصيل في تحديث القطاع العام تحتاج لإعادة البحث والدراسة فيما تحقق بهذا الجانب، وما هو مطلوب وضروري.
حديث سمو الأمير الحسين عن مؤسسات يعلم عنها، إذا تغيب 50 بالمئة من الموظفين فيها عن العمل، لن يكون هناك أي تأثير، مفصل مهم بل أساسي في التحديث الإداري، يفرض المزيد من الدراسات والبرامج للتحديث الإداري، مسألة دقيقة أشّر لها سمو الأمير، ووضع عنوانا للخطى القادمة فيما يخص هذا الجانب المهم، ففي هذه المعلومة التي يعرفها سموه ويعرف المؤسسات التي تعيش هذا التشوّه والترهل، يضع حقيقة تحت مجهر الاهتمام يجب الأخذ بها على محمل العلاج والتصويب، فهو كما قال سموه «ليس منطقيا»، ويجب عدم تأجيل هذا العلاج لأن بإغفاله أو تأجيله، تكبر المشكلة.
رسالة ذهبية قدّمها سمو ولي العهد في مقابلته فيما يخص الجانب الإداري، تحمل أبعادا ودلالات كثيرة، تؤشّر إلى وجود الترهل الإداري حتى الآن وهو بالمناسبة الأهم فيما يخص التحديث الإداري، فهل يدرك المخططون للإصلاح الإداري خطورة وجود 50% من موظفي إحدى المؤسسات لا أهمية لوجودهم وأن حضورهم مجرد أرقام تضاف إلى كاهل الوظيفة العامة، ما يؤكد ضرورة الوقوف على هذه المشكلة وصولا لزيادة الإنتاجية، وتحسين البيئة الاستثمارية، وغيرها من الإيجابيات التي تصب حتما في تصويب أي أخطاء أو تشوهات في القطاع العام وتنعكس على واقع التحديث ومساراته.
إشارة مختصرة من سمو ولي العهد تحمل ملايين الدلالات لجهة علاج الترهل الإداري، والأخذ بها في برامج تحديث القطاع العام، والمسار الإداري، وصولا لمنظومة تحديث متكاملة في هذا الشأن، ففي حديث سموه عن مؤسسات يعرفها علاقة مباشرة بموضوع التحديث الإداري، يجب أن تكون خريطة طريق لما تبقى من خطط وبرامج في مسار التحديث الإداري، وحتى الاقتصادي لتكون الخطى صحيحة، والنتائج نموذجية.