إذا غادر الوزير العسعس.. من سيتحدث "ماليًا" مع الأمريكيين وصندوق النقد؟
يمكن ضبط «الارتباك البيروقراطي» متلبسا عند الإصغاء في الأردن لبعض الأسئلة اقتصادية الطابع التي يطرحها قسرا طوفان فلسطين وغزة في ظل إصرار رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة على عبارة «مفيش فلوس» ردا على أي استفسار عن أي مشاريع. أو في ظل «حيرة» بعض مستويات القرار بتحصيل إجابة على «السؤال الفني» التالي: أين يجلس بصورة حيوية وزير المالية الدكتور محمد العسعس وفي أي مقعد في المرحلة المقبلة؟
ومسألة «الارتباك» تصبح أقرب إلى وصفة «منقوع بيروقراطي» عند الاستفسار العميق عن «حصة الأردن في مشاريع إعادة إعمار غزة» مستقبلا فيما الحكام الإداريون يصدرون مذكرات التوقيف بحق نشطاء إسناد غزة ولا يتراجعون عن بعضها رغم عدم وجود «تهمة قضائية».
أين ذهبت حكاية الحرص على «عدم التوسع في الاقتراض الخارجي»؟ عمليا هذا سؤال يتردد على كل الألسن في مجالس وسهرات عمان بعدما تمسكت الحكومة بالصيغة فيما زادت معدلات وأقساط الديون الخارجية بالتزامن مع ارتفاع مستوى التصنيف الائتماني الدولي في مفارقة لا يمكن رصدها إلا بالحالة الأردنية.
في مسألة وزير المالية العسعس الإشكال ليس في رغبته الشخصية الملحة في «الانسحاب» بعدما أرهقه المتحرشون بوزارته وسياسته التقشفية والضريبية من تحت قبة البرلمان ومجلس الوزراء معا، بل الإشكال في كيفية توفير «ضمانات» بعد إخلاء العسعس لموقعه ـ في أقرب تغيير وزاري- لأن لا يحضر «وزير مالية جديد» و«ينقلب إداريا وسياسيا» على خطط سلفه.
الوحيد تقريبا الذي قدم «إجابة مفترضة» على سؤال «انقلاب الوزراء على بعضهم» هو عضو البرلمان الخبير والنشط الدكتور خير أبو صعليك عندما افترض بأن ذلك لا ينبغي أن يحصل بعد «وثيقة الرؤية الاقتصادية» المصنفة باعتبارها «عابرة للحكومات».
المعنى أن وزراء المستقبل بصرف النظر عن هويتهم خصوصا في الجزئية المالية والاقتصادية لا هوامش «شخصية» لديهم وسيعملون ضمن رؤية التحديث الاقتصادي المرسومة سلفا في إطار السياسات.
ذلك جيد، قال أحد وزراء الاقتصاد السابقين لكنه «غير منطقي ولم يجرب بعد».
ومعنى الإشارة الأخيرة أن «الرؤية نفسها» تحتاج حتى في الملف الاقتصادي لـ«ضمانات تنفيذ إجرائية» مستقبلا في مهمة «لن تكون سهلة» لسبب بسيط وهو أن «الجميع يفتي ويتدخل» في الملف الاقتصادي «إجرائيا» خلافا لأن منظومات القرار عموما تحتاج لـ«وثيقة مرجعية رابعة» تضبط سلوكها الإجرائي بعد تدريب قد يحتاج 10 سنوات.
ثمة دليل يقدمه القائلون بالحاجة الملحة لـ«إجبار الجميع» فعلا على العمل جماعيا بدون تقاطعات ويتمثل في أن ظروف الأزمة المالية والاقتصادية الحالية وحتى وسط مناخ الحرب على أكتاف الحدود الغربية للمملكة وفي ظل وجود «رؤية» تقول الحكومة أنها نفذت 83 في المئة منها العام الماضي فقط «لم تمنع «ظهور» تباين وأحيانا صراعات بين عناصر الطاقم الوزاري الاقتصادي الحالي في الحكومة.
وزراء الاقتصاد السابقون في «حالة نقدية» لا يمكن إنكارها والملاحظات «السيادية» على وزارة الاستثمار ووزيرتها «ليست حماسية» وبعض مراكز القوى الرسمية نشطة جدا في محاولة «إقصاء العسعس» حتى أنها «تبحث له عن موقع خارج القرار المالي بهدف التخلص» من ميكانزمات خطته فيما وزيرة التخطيط تكنوقراطية وفنية رفيعة المستوى لكن لا أحد يتلمس دورها النافذ المؤثر وأثره بعد.
«الوضع فوضوي» في مربع الاتجاه الاقتصادي- هذا ما قاله الخبير الاقتصادي أنور الخفش، والحالة الطارئة في الإقليم يستطيع الأردن «تجاوزها» والتعامل معها بحرفية وكفاءة- وهذا ما قاله العسعس نفسه.
لكن كلاهما «الحرفية والفوضى» لم تؤسسا بعد حتى لوزير اقتصاد سابق بارز قال مفضلا تجنب ذكر اسمه مساحة يمكنه الاطمئنان فيها إلى ان «الأمور بالاتجاه السليم».
العودة لمسألة العسعس «قائد أوركسترا السياسة المالية» توحي دوما بالارتباك والتداخلات، فالوزير الذي يعمل بصمت شديد ولا يجيد التعاطي مع «كل الأضواء» يرغب شخصيا بالانسحاب من المشهد الوزاري والحصول على فرصة للراحة بعد ما استنزفته صحيا الهجمات المضادة من الداخل أكثر من كل محاولاته الناجحة مع المؤسسات الدولية المانحة. لكن أوساطا أخرى منشغلة في تدبير موقع له ـ بسوء نية طبعا ـ بعيدا عن القرار التنفيذي.
والعائق الأساسي أمام «إقصاء وزير المالية» هو السؤال «الفني» التالي: من سيتولى «مفاوضات الصندوق والبنك الدوليين» ومن سيتحدث «ماليا» مع الأمريكيين بصيغة فعالة إذا غادر العسعس؟
الحاجة لخبرة وإمكانات العسعس قد تدفع المؤسسة لما ينبغي أن لا يحصل في «عهد الرؤية والمنظومة» والوثائق المرجعية حيث يغادر أحدهم إلى موقع استشاري بنفوذ ثم يدير «الملف» من خارج أسوار الحكومة في تجربة على مستوى «الظل» سبق
أن اشتكت منها كل حكومات الماضي ولا تلائم مسارات التحديث اليوم.
يفترض بأن يتولى المطبخ الاقتصادي في الحكومة المقبلة «خبراء قادرون ومحظوظون» قادرون بمعنى عدم وجود حاجة لديهم لتلقي «التعليمات» من مؤسسات أخرى حتى تصبح محاسبتهم على الإنجاز منطقية.
ومحظوظون بمعنى عدم وجود مبرر للشعور بالضغط والتفكير بسبب وجود «وثائق مرجعية» كل المطلوب علنا مرجعيا فقط «الالتزام بها».
القدس العربي