الردع النووي الفرصة الضائعة
إسماعيل الشريف
«لسنا حزينين لوفاة رئيسي، والشعب الإيراني أصبح بوضع أفضل»، بلينكن.
في آخر مواجهة شاملة بين العرب والصهاينة عام 1973 كان الرئيسان السادات والأسد يخشيان من احتمال أن يستخدم الكيان الصهيوني السلاح النووي، وكان خوفهما مبررًا حيث إن رئيسة الوزراء الإسرائيلية آنذاك، غولدا مائير، كانت قد أصدرت أوامر بتحريك سرب من ثماني طائرات محملة برؤوس نووية لضرب دمشق والقاهرة. ولا يمكننا إغفال دور الولايات المتحدة في تزويد الصهاينة بإحداثيات ثغرة «الدفرسوار» بين الجيشين المصريين الثاني والثالث، مما غيّر مجرى المعركة ودفع مصر للمطالبة بوقف إطلاق النار بعد وصول الصهاينة إلى الكيلو 100 من القاهرة.
وقد عبر الرئيس السادات بوضوح عن خشيته من السلاح النووي الصهيوني عام 1977 عندما أجاب عن سؤال نائب رئيس الوزراء الصهيوني آنذاك «يغائيل يادين» عن سبب عدم دخول الجيش المصري سيناء في حرب العبور قائلاً: «لديكم سلاح نووي، ألم تسمع بذلك؟!».
جميع القادة العرب يدركون مبدأ شمشون، وهوأحد أهم مبادئ الأمن القومي الصهيوني، وينص على أنه في حال تعرض الكيان الصهيوني لخطر وجودي، فإنها سوف تستخدم السلاح النووي، مدمرة نفسها وأعداءها كما تقول أسطورة شمشون.
واستخدام الصهاينة للسلاح النووي ليس أمرًا مستبعدًا، فقد سمعنا تصريحات من بعض ساستهم في مناسبات عديدة بإلقاء قنابل نووية تكتيكية على غزة وإنهاء حربهم الخاسرة، ويؤيدهم في ذلك بعض الساسة الأمريكان.
قبل يومين فقط من سقوط مروحية الرئيس الإيراني كنت قد قرأت خبرًا يفيد بأن إيران قد أعلنت مشاركتها السعودية وتركيا تكنولوجيتها النووية، بالطبع تحت ستار الاستخدام السلمي، وقد شهدنا قبلها تقاربًا سعوديًّا إيرانيًّا برعاية صينية.
كانت الأخبار تشير إلى أن السعودية تضع شروطًا للتطبيع مع الكيان الصهيوني تتضمن إقامة دولة فلسطينية وتنظيم اتفاقية أمنية مع الولايات المتحدة مشابهة لاتفاقيتها مع الكيان، وإنشاء مفاعل نووي يخصص للأغراض السلمية، لذلك كان من الواضح أن السعودية في موقف تفاوضي قوي للغاية، مما يؤكد صحة الأنباء المتداولة آنذاك.
تعلم جميع دول المنطقة بأن امتلاكها للسلاح النووي سيحقق الردع، ولهم أسوة في الردع بين الجارتين العدوتين الهند وباكستان، أو تجربة كوريا الشمالية التي رأت أنه لابد من امتلاك السلاح النووي بعد أن أسقطت عليها الولايات المتحدة عام 1950 ما يعادل مجموع ما أسقط في الحرب العالمية الثانية، وقتلت حوالي 15% من الكوريين!
وتدرك الدول العربية أن اتفاقية الحد من انتشار السلاح النووي تهدف إلى احتكار هذا السلاح بأيدي الدول العظمى ومنع الدول الأخرى من امتلاكه بحجة حماية العالم، والمفارقة أن الولايات المتحدة الدولة الرئيسة التي سعت لهذه الاتفاقية هي الدولة الوحيدة التي استخدمت السلاح النووي، بل ويزعم سياسيوهم أنهم أحسنوا صنعًا في هذا! كما أنه من نصوص هذه الاتفاقية أن تساعد الدول العظمى الدول الساعية لامتلاك المفاعلات النووية للأغراض المدنية، ولكن بالطبع فهذا لا يحدث، بل الواقع أن الدولة الوحيدة التي تمتلك السلاح النووي في المنطقة وهي دولة مارقة محتلة تقوم بإبادة جماعية وتهدد باستخدام سلاحها النووي - غير موقعة أصلاً على هذه الاتفاقية ولا تعترف بامتلاكها السلاح النووي!
ما دفعني للكتابة عن هذا الموضوع هو تغير تصريحات الساسة بعد وقوع طائرة الرئيس الإيراني، فقد نشرت مصادر أمريكية خبرًا عن قرب توقيع اتفاقية أمنية مع السعودية، ثم تسرب خبر لوزير الدفاع الصهيوني غانتس يتحدث فيه أمام الكنيست بأن الحديث عن أي دولة فلسطينية مستقبلية هو كذب ولن يتحقق ذلك!
خطرت لي فكرة لا أملك دليلاً واحدًا عليها، لماذا لم تكن حادثة سقوط طائرة الرئيس الإيراني مقصودة؟ فتصريحات الساسة قبلها تختلف بشكل كبير عن تصريحاتهم بعدها!
ولكن بغض النظر إن كان الرئيس الإيراني قد اغتيل أم لا، فأنا أجزم بأن الرئيس القادم سيكون أكثر تشددًا، فالحرس الجمهوري أقوى من أي وقت مضى، وهنالك مراجعة لعقيدة الصبر الاستراتيجي التي تتحلى بها السياسة الإيرانية.