قرار المحكمة الجنائية الدولية في الميزان
بقلم علي ابو حبلة
في موقف غير مسبوق في تاريخ الصراع الصهيوني الفلسطيني منذ نكبة فلسطين 1948، قدم المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان طلبات إلى المحكمة لاستصدار أوامر اعتقال ضد رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، و وزير حربه يوآف غالانت، وقائد حركة حماس في غزة يحيى السنوار ومحمد الضيف القائد العام لكتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري للحركة، ورئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية، لمسؤوليتهم إزاء ما يجري في غزة.
ورغم أن طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية يشوبه عيب شكلي وموضوعي حين ساوى بين الضحية والجلاد، وبين المحتل الذي يمارس القوة الغاشمة بحق الإقليم المحتل وسكانه، إلا أن طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بطلب التوقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير حربه غالانت يمكن وصفه بأنه غير مسبوق، فهذه هي المرة الأولى التي تقدم فيه منظمة دولية بحجم محكمة الجنايات الدولية، بإدانة الكيان الإسرائيلي، الحليف الوثيق والقريب جدا من أمريكا، وتصدر مذكرات اعتقال بحق زعمائه لمسؤوليتهم عن ما يحدث من فظائع في غزة، وهي فظائع لطالما ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني على مدى أكثر من سبعة قرون، دون مساءلة أو محاسبه أو حتى انتقاد.
ورغم عيوب القرار الذي تقدم به مدعي عام محكمة الجنايات الدولية في مساواته بين الضحية والجلاد إلا أن هذه قد تكون من باب الترضية لإرضاء أمريكا وبعد دول الغرب ولإضفاء مشروعية على الإجراءات المتخذة من نيابة المحكمة ومع كل ذلك فان ما تقدم به مدعي عام محكمة الجنايات الدولية بحق قاده من حماس، لن تغير من واقع الفلسطينيين شيئا، فالفلسطينيون كانوا ومازالوا، متهمين من قبل الحكومات الغربية والمنظومة الأممية التي تهيمن عليها أمريكا، فقد الرئيس الأميركي جو بايدن بطلب مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرات اعتقال بحق مسئولين إسرائيليين بتهمة ارتكاب جرائم حرب، معتبراً أنّ الحرب على غزة، التي أودت بحياة أكثر من 38 ألف شهيداً مدنياً فلسطينياً، منذ بدايتها في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، هي «ليست إبادة جماعية».
وقال بايدن، خلال مناسبة في البيت الأبيض ضمن «شهر التراث اليهودي - الأميركي»، إنّ «ما يحصل ليس إبادة جماعية»، رافضاً محاولة المدعي العام للمحكمة كريم خان اعتقال رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير الأمن يوآف غالانت، حيث وصف قراره بـ «المشين». ويأتي ذلك دفاعاً عن حليفة الولايات المتحدة «تل أبيب»، في وقت تزداد الضغوط الدولية عليها لوقف جرائمها في قطاع غزة، إذ تعهد الرئيس الأميركي بدعم «صارم لإسرائيل» والوقوف معها.
واللافت في قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، انه جاء خلوا من التطرق للجرائم التي يرتكبها الكيان الإسرائيلي، وجميع قادة هذا الكيان دون استثناء، ليبني عليه اتهامه، وركز، على «إستراتيجية التجويع» التي يمارسها الكيان الإسرائيلي في غزة، وعلى شخص نتنياهو وغالانت، دون باقي زعماء هذا الكيان، ويبدو أن سبب هذا التركيز على «إستراتيجية التجويع»، كما يرى خبراء القانون، هو «صعوبة إثبات الجرائم الأخرى، قياسا مع سهولة إثبات جريمة التجويع الجماعي التي تمارسها إسرائيل»!!. علما أن هناك من الشواهد والثبوت في تصريحات المسئولين الاسرائيلين ما يشكل أدانه واضحة وصريحة للتحريض على ارتكاب الجرائم.
ومما يلفت النظر إليه أن كريم خان لم يبدي خجلا في تبني الرواية الإسرائيلية و الصاق تهم «الإبادة والقتل واحتجاز رهائن والاغتصاب والاعتداء الجنسي أثناء الاحتجاز» وبسهولة بقادة المقاومة، رغم أن هذه التهم كان مصدرها الكيان الإسرائيلي، وتلقفها الإعلام الأمريكي والغربي، الذي تراجع عنها لاحقا، بعد أن ثبت عدم صحة ادعاءاتها وكذبها، حتى أن الصحف الأمريكية التي نشرت تلك الأخبار الملفقة، اعتذرت لقرائها وتراجعت عنها.
الشيء الذي يفترض ولا يختلف عليه اثنان هو أن كريم خان مدعي عام محكمة الجنايات الدولية على علم أكثر من غيره بالقانون الدولي، الذي يعطي الحق للشعب المحتل أن يدافع عن نفسه وعن أرضه بكل ما يملك من قوة ووسائل متاحة لديه، ولا يمكن وصف هذا الدفاع بالإرهاب. كما انه اعلم من غيره أيضا، من أن غزة والضفة الغربية، هي ارض فلسطينية محتلة، وفقا للقانون المعتمد في منظمة الأمم المتحدة، ولا يمكن وصف أي قوة عسكرية غير فلسطينية فيها، الا بالمحتلة وهذا ينطبق على قوات الاحتلال الإسرائيلي وعلى جميع المستوطنات الإسرائيلية.
وحقيقة القول ما كان للمحكمة الجنائية الدولية أن تتجرأ وتصدر مذكرات اعتقال ضد قادة الكيان الصهيوني، رغم كل التهديدات والوعيد التي صدرت عن دول متنفذه، لولا ثبات وصمود الشعب الفلسطيني الذي أكد وللعالم أجمع، ان هناك أرضا محتلة، وان هناك شعبا محتلا، وان هناك إنسانية تُذبح، وان كل ما كان يقال عن «عن حيادية أمريكا، وديمقراطية الغرب، وأخلاقية الجيش الإسرائيلي»، ليست سوى أضاليل وأكاذيب بددتها الحقائق على الارض وما يرتكب من جرائم بحق الشعب الفلسطيني.