لولا «المديونية» ما كان هذا حالنا

بقلم علاء القرالة

استغرب من قيام البعض بمهاجمة الحكومة على ارتفاع المديونية في عهدها وكانهم يعيشون في عالم منعزل يختلف عما تعيشه الدنيا كلها، كما استغرب ايضا من انتقاد المديونية وعدم الاشارة «للانجازات الاقتصادية» التي حققها الاقتصاد الوطني رغم صعوبة التحديات التي واجهها بالاقليم والعالم، فهل اصبحت «المديونية» وسيلة هجوم لجلد الذات؟.

المملكة اقتصاديا عاشت اصعب اربع سنوات بتاريخها وواجهت خلالها ازمات متنوعة ومتلاحقة، ومع ذلك كافحت لاجل الحفاظ على استقرارها بمختلف الجوانب حتى أن الاردنيين لم يشعروا بأي تغير وكأن لا شيء قد حدث او تغير وبقوا معزولين عن كل ما يحدث في العالم، من تضخم وارتفاع اسعار او انقطاع السلع او تراجع قيمة ما يمتلكون او انهيار اقتصادي وهبوط العملة، فمرت تلك الاحداث والازمات كما «نارا وسلاما» عليهم جميعا.

ان تستدين لادامة استقرارك وبقاء عجلة الاقتصاد دائرة دون توقف امر ايجابي، وهذا ما ينعكس على ماتم استدانته من قبل الحكومة التي دخلت على وقع جائحة كورونا وتداعيتها الخطيرة، فكان الخيار امامها اما ان تستدين للمحافظة على الاستقرار ومنع تسريح العمالة ودعم القطاعات الاقتصادية والحفاظ على المنظومة الصحية من الانهيار وبقائها صامدة، او الانهيار في كل شيء.

نعم المديونية ارتفعت ولا احد ينكر ذلك حتى ان الحكومة هي نفسها من تعلن عنها، غير انها ساهمت ايضا بدفع مختلف المؤشرات الاقتصادية للارتفاع والحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والصحي الذي نحسد عليه من مختلف الدول التي انهارت اقتصاديا وهذا كله بشهادة مختلف الجهات المانحة ومؤسسات التمويل الدولية التي لا تجامل احدا، ولعل اهم ما ساهمت به «المديونية» بقاء الاردنيين في وظائفهم دون تسريح منها رغما من حالات الاغلاقات والتوقف عن العمل في القطاعين العام والخاص.

حاليا تستخدم المديونية كنوع من انواع «جلد الذات» والدليل بان من يتطرقون اليها لايذكرون مثلا ارتفاع حجم الاحتياطي الاجنبي لـ 19.1 مليار دولار ولا ارتفاع الصادرات 48% ولا ارتفاع الاستثمارات ولاحتى ارتفاع السياحة وانخفاض البطالة الى 22% ولا عن معدلات التضخم المنخفضة ولا انخفاض الصادرات.

تخيلوا ان الحكومة قد استسلمت للامر الواقع ولم تستدن طيلة السنوات الاربع الماضية ماذا كان سيحصل، ببساطة اولا سينهار الاقتصاد وترتفع البطالة لنسب مضاعفة عما هي عليه الان وانخفضت قيمة الممتلكات الخاصة وارتفعت معدلات التضخم والاسعار وانهارت منظومتنا الصحية والتعليمية وانقطعت السلع واغلقت مئات او الاف المحال والشركات وسرح الاردنيين كما في دول تعلمونها جميعكم.

بالمختصر، «المديونية» التي تترافق مع نمو اقتصادي ثابت وارتفاع بالمؤشرات الاقتصادية المختلفة والقدرة على السداد وتساهم في تعافي الاقتصاد هي مديونية ايجابية لا خوف منها ولا قلق، فالدين لاجل استمرار عجلة الاقتصاد دائرة دون توقف افضل بكثير من عدم الاستدانة وانتظار الانهيار الذي لربما لن تحله كل ديون الدنيا في حينها ولن تشفع له شعبويات وتنظير البعض عن بعد.