غموض يشوب «استيقاظه» المُتأخِّر.. متى يتحرّك «كريم خان»؟
بقلم محمد خروب
بعد صمت مريب ولافت استمر سبعة أشهر مضت على حرب الإبادة الصهيوأميركية, الذي لاذ به البريطاني/كريم خان مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية, جاء تسريب مُفاجئ في توقيته والجهة التي أوعزت بنشره, حيث تولّت وسائل إعلام صهيونية, الحديث عن توّتر وخوف استبدا بمجرم الحرب/نتنياهو, إذ وصلت للأخير «معلومات اولية» تناقلتها وسائل إعلام إسرائيلية ودولية، عن «نيّة» المحكمة الجنائية الدولية، إصدار مذكرات «اعتقال» بحق قادة صهاينة مُتورطين في حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة، بمن فيهم رئيس حكومة العدو نتنياهو، بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة. في تطور لافت من قبل الجنائية الدولية, المُتهمَة بالإنحياز لإسرائيل, والتأخّر المتعمَّد بالتحقيق في ما يجري على الأراضي الفلسطينية وبخاصة في قطاع غزة.
لم يلبث «التسريب» الصهيوني (غير المؤكدة صحته حتى الآن), ان تَصدّر جدول أعمال تحالف الشر الصهيوأميركي, على نحو أثار الدهشة, ليس فقط في أن بياناً لم يصدرعن مُدعي عام المحكمة هذه, بل خصوصاً أن الحملة المُركزة التي باشرها مُشرعون أميركيون, ذهبت بعيداً في الإستعلاء والغطرسة, على نحو بدت فيه الجنائية الدولية وكأنها مؤسسة من مؤسسات دولة نامية تابعة, يمكن فرض عقوبات عليها أو وقف الدعم المالي الأميركي عنها. وهو أيضاً ما ميّز ردود فعل رئيس الحكومة الفاشية في تل أبيب, الذي لم يتوّرع عن بث الأسطوانة الصهيونية المشروخة, عن مُعاداة السامية وتفوّق العنصر اليهودي, إذ اعتبرَ نتنياهو إمكانية صدور مثل هذه المذكرات «فضيحة وجريمة كراهية سامِيّة لم يسبق لها مثيل، ووصمة عار على جبين الإنسانية بأسرها لا يمكن مَحوها».
ولم يتأخر رد الفعل الأميركي المُتماهي في غطرسته واستعلائه, وخصوصاً في إزدرائه القانون الدولي ومؤسسات الأمم المتحدة, وهو ما تبدّى في موقف البيت الأبيض المغالي في إنحيازه وحماية شركائه من مجرمي الحرب الصهاينة, إذ قالت مُتحدثة البيت الأبيض/كارين جان بيار: إن موقف واشنطن «بغاية الوضوح» في ما يتعلّق بتحقيق المحكمة الجنائية الدولية بشأن غزة... نحن «لا نؤيده»، ولا نعتقد ـ أضافتْ بوقاحة–أنه من اختصاصها». وكما هو واضح يقول سيد البيت الأبيض على لسان مُتحدثته, ان بلاده (كما دولة العدو) التي رفضت الإنضمام إلى «ميثاق روما» بما هو المؤسس للجنائية الدولية, ان مُلاحقة «مجرمي الحرب» ليس من إختصاصها, وهي التي قامت لهذا الغرض الوحيد. فيما مسؤولية محكمة العدل الدولية محاكمة «الدُول» وليس «الأفراد» التي هي من صميم مسؤولية «الجنائية».
كذلك كان حال نواب وشيوخ الكونغرس الاميركي, الذين زايدوا على موقف البيت الأبيض الرافض قيام الجنائية الدولية, إصدار مذكرات إعتقال بحق مُجرمي الحرب الصهاينة وكان أعلاهم صوتاً وعنجهية رئيس مجلس النواب الجمهوري/مايك جونسون الذي قال: يجب أن نردّ على المحكمة الجنائية الدولية بـ"فرض العقوبات وقلب الطاولة عليهم». (بالمناسبة جونسون هذا هو نفسه, الذي دعا إلى مُصادرة تأشيرات الدخول الى أميركا من طلبة الجامعات, الذين تظاهروا احتجاجاً على حرب الإبادة الصهيوأميركية على قطاع غزة, ودعوا إلى وقفها).
ماذا عن كريم خان؟.
بعد انتشار هذه التسريبات الصهيوأميركية عن «احتمال» صدور مذكرات إعتقال بحق نتنياهو وغالنت وهليفي (وربما غيرهم), وبعد الهجمة الإعلامية والسياسية الصاخبة على الجنائية الدولية, التي دشنها وما يزال, شريكاً حرب الإبادة والتجويع على القطاع الفلسطيني, «استيقظ» فجأة كريم خان عبر بيان مُسربل بالغموض وحمّال أوّجه في الآن عينه. إذ أصدرت المحكمة تحذيراً إلى «الأفراد الذين يُهدِّدون بالانتقام» منها أو من موظفيها، مؤكدة أنّ أعمالاً كهذه قد تشكّل «هجوماً على إدارة العدالة». وقال مكتب المدعي العام/كريم خان يوم الجمعة الماضي، في بيان: إنّه يسعى إلى «الانخراط بشكل بناء مع جميع أصحاب المصلحة في كل مرّة يكون الحوار متوافقاً مع صلاحيات». مُضيفاً «مع ذلك، فإن هذا الاستقلال وهذا الحياد يُقوَّضان, عندما يُهدِّد الأفراد باتخاذ إجراءات انتقامية ضد المحكمة, أو ضد موظفي المحكمة» في حال اتخاذ «قرارات» بشأن تحقيقات تقع ضمن صلاحياته. مُحذراً/البيان من أن «تهديدات كهذه، حتى لو لم تُنفذ، يمكن أن تُشكل هجوماً على إدارة العدالة» المنوطة بالمحكمة. لافتاً أن:"الجنائية الدولية تدعو إلى وضع حد فوري لمحاولات العرقلة أو التخويف, أو التأثير بشكل غير مُبرر على مسؤوليها."
القراءة المُحايدة والدقيقة لبيان كهذا يُجهِّل الطرف/الأطراف المقصود بالتحذير, يدفع للاعتقاد انه/ التجهيل.. مقصود بذاته ولذاته, ويمنح كريم خان فرصة للتراجع أو يُكسبه المزيد من الوقت للتسويف والمُماطلة, ليس فقط في تأخير إصدار مذكرات الإعتقال, بل خصوصاً في التذرّع بإجراء «المزيد» من التحقيقات التي يقوم بها مُحققو المحكمة, على النحو الذي فعله بالتحقيق الذي كانت بدأته سلفه المدعية العامة الغامبية السابقة/ فاتو بن سودا عام 2021 في شأن الجرائم التي ارتكبها مجرم الحرب/بيني غانتس عام 2014 في حربه على قطاع غزة, حيث أهمله كريم خان واسدل عليه ستار النسيان, منذ جاءت به الولايات المتحدة والكيان الصهيوني إلى هذا الموقع, ولا نظن انه سيتمرّد عليهما أو يُغامر بإغضابهما. آملاً أن أكون مخطئاً... والأيام ستروي.