المستقلة أمام تحدي تغلغل " المال الأسود" في الانتخابات النيابية المرتقبة

بدأت الماكينة الحزبية في الأردن تتحرك استعدادا لانتخابات نيابية استثنائية من المقرر إجراؤها الخريف المقبل، وسط تحذيرات من تأثيرات المال الأسود على العملية المرتقبة، في ظل حديث متصاعد عن تجاوزات.

حيث  تحذر أوساط سياسية أردنية من إفساد "المال الأسود” للانتخابات البرلمانية المرتقبة، في ظل ما يروج عن بلوغ سعر المقعد النيابي الواحد المليون دينار. وتكتسي الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في سبتمبر المقبل، أهمية استثنائية، حيث تدشن مرحلة جديدة من العمل النيابي في المملكة بعد الإصلاحات التي أدخلت على المنظومة السياسية. 

ولطالما لازم المال الأسود الاستحقاقات الانتخابية السابقة سواء في علاقة بالتشريعية أو بمجالس المحافظات وحتى الانتخابات النقابية، لكن الوضع في الاستحقاق النيابي المقبل مختلف وأكثر حساسية، وتتوقع الأوساط أن يلعب المال الأسود دورا مؤثرا فيه، في حال لم يجر التصدي له.

وتشير الأوساط ذاتها إلى أن التنافس المنتظر بين القوى المشاركة في الاستحقاق ولاسيما بين الأحزاب، من شأنه أن يشرع الباب أمام المال الأسود، وإن وجب التفريق في هذه المسألة بينه وبين المال السياسي، الذي يبقى مشروعا، بل وضروريا لدعم حظوظ المشاركين في الاستحقاق.

ورد رئيس مجلس مفوضي الهيئة المستقلة للانتخاب موسى المعايطة، الثلاثاء على ما يروج عن وصول سعر المقعد النيابي لبعض المرشحين إلى مليون دينار أو نصف مليون دينار، قائلا "إنني أسمع هذا الحكي لكن ما أظن.. مليون كثير مثلًا، لكن ما اعتقد.. الهيئة مهمتها الرقابة حسب القانون، فإن توصلنا إلى ذلك ستكون هنالك إجراءات نتخذها". وأشار إلى أن "الشائعات كثيرة فيما يتعلق بهذه المسألة وحتى الآن لم تطرح أي شكاوى رسمية ونحن لا نحاسب على النوايا".

وبشأن دعم رجال أعمال لأحزاب بعينها، أوضح المعايطة خلال لقاء عقد مع ممثلي وسائل الإعلام بعنوان "الانتخابات النيابية 2024.. ما الجديد"، "لا أعرف إذا كان هنالك رجال أعمال يدعمون أحزاب أو لا، لكن القانون يشير إلى أن الأحزاب تستطيع أن تتلقى الهبات والتبرعات على أن تعلن عنها مش تحت الطاولة".

ولفت إلى أن على الأحزاب تمثيل المصالح المختلفة من اليسار إلى اليمين، سواءً كانوا رجال أعمال أو غيرهم، مشددا على أن "المال مهم في الانتخابات ومسموح بها قانونيًا.. وأنا شايف أن رجال الأعمال مش كثير في الأحزاب، وبالعكس نحن بدنا يدافعوا عن مصالحهم".

وهناك لبس كبير لدى شريحة كبيرة من الأردنيين وحتى لدى بعض السياسيين والنواب بين المال الأسود والمال السياسي، ويعود ذلك إلى ضعف الثقافة السياسية ففي حين يعتبر المال الأسود رشوة انتخابية يحاسب عليها القانون لأنه يستخدم في شراء الذمم وشراء الأصوات واعتبار هذا الأمر عبثا وجريمة ترتكب بحق النزاهة الانتخابية، يأتي المال السياسي كحق مشروع تستخدمه الأحزاب والمرشحون من أجل تسهيل مهمتهم الانتخابية.

ويرى الكاتب الصحفي الأردني جهاد أبوبيدر أنه يستوجب توضيح الكثير من المفاهيم الخاطئة لدى العامة حول العملين البرلماني والحزبي، مشيرا في مقال له إلى أن بعض الشخصيات كما يشاع تشترط دفع مبالغ فلكية لتكون على رأس القائمة الحزبية وهذا يعتبر مالاً أسودَ وإن صح فلابد من اتخاذ إجراء قانوني ضده ولكن أن يقوم حزب معين أو مرشح باستقطاب داعمين ماليين لبرنامجه الانتخابي من أجل وصوله أو وصول قائمة الحزب إلى المقاعد النيابية لقناعة هذا الداعم بأن هذا الحزب أو هذا المرشح يستطيع الدفاع عن مصالح الجهات التي تدعمه فهذا منطقي.

 
وأوضح أن المال السياسي مستخدم في الولايات المتحدة وأوروبا بشكل كبير، لافتا "حينما كنت في الولايات المتحدة نظم الحزب الديمقراطي عشاءا تقشفيا بقيمة 500 دولار للفرد من أجل دعم الحزب في دعاياته الانتخابية وكان معظم الداعمين من شركات أدوية وسلاح وشركات تأمين وأفراد وجدوا في الحزب القدرة على الدفاع عن مصالحهم ولم يتم اتهام الحزب باستخدام المال السياسي ولكن في الأردن يستخدم هذا المال كمالٍ أسود لشراء ذمم الناس وحجز هوياتهم من أجل إجبارهم للتصويت لمرشح بعينه".

وقال أبوبيدر "ونحن في خضم معركة انتخابية وتجربة حزبية قادمة لابد لنا من التمييز بين المال السياسي وبين المال الأسود وعلى الأحزاب تحديدا أن تبحث عن داعمين من المال السياسي حتى تستطيع إيصال برامجها وخططها لجمهور العامة".

وينتظر أن تشهد الانتخابات المقبلة في الأردن منافسة حامية بين الأحزاب، ولاسيما بين القوى الإسلامية وأحزاب اليسار المحافظ ووسط اليسار، في ظل تعديلات جوهرية أدخلت على قانوني الأحزاب والانتخابات يفسح المجال للمكون الحزبي للمرة الأولى منذ عقود بالسيطرة على مجلس النواب.

وأشار الناطق الإعلامي باسم الهيئة المستقلة للانتخابات محمد خير الرواشدة، الاثنين، إلى وجود لون جديد يسعى لفرض نفسه على الساحة الحزبية والسياسية، وهو تيار يسار الوسط، وهو المشهد المختلف في الحراك الحزبي الدائر اليوم، حيث هناك تنافس بين عدة أحزاب لتنفيذ هذا اللون السياسي من المعادلة الحزبية، فاليمين واضح، واليسار واضح، ولكن التنافس على الوسط بدأت تتبلور له هوية مختلفة من خلال المنافسة على تمثيل يسار الوسط، ونشهد ذلك من خلال الأنظمة الداخلية للأحزاب.

ونوه الرواشدة إلى أنه ومع بدء العملية الانتخابية فإن جميع جهود التوعية والتثقيف وتحفيز الناخبين أصبحت مسؤولية الأحزاب ولم تعد مسؤولية المؤسسات الرسمية، وعلى الأحزاب عكس جميع نشاطاتها خلال الأشهر الماضية على أرض الواقع، والبدء بإعداد خطتها لدخول المعترك الانتخابي على قاعدة أن هناك مقاعدَ مخصصةً لهم وحصصا مقدرة ستتضاعف خلال الثلاثة مجالس المقبلة وهذا عمل تدريجي ويصب في خانة تجويد العمل البرلماني "لأن الفردية الطاغية في العمل النيابي كانت مقتل للثقة".

وفيما يتعلق بالمال الأسود، شدد الرواشدة على أن هذه الآفة تواجه العمل الانتخابي في جميع الدول، معتبرا أن زحف المال اتجاه العمل السياسي بات طاغيا في أعتى الديمقراطيات حول العالم، لافتا في الوقت نفسه إلى وجود إجراءات واضحة والمسؤولية تكون على الناخب نفسه بأن لا يقبل ذلك.

واعتبر الناطق باسم هيئة الانتخابات أن هناك مشكلة لدى أي مرشح يرغب في شراء مقعد في مجلس النواب من خلال المال ويسعى للتأثير على إرادة الناخبين بالمال. وأكد على أن المسؤولية تقع على الهيئة المستقلة للانتخابات متى ما تم إبلاغها بوجود خلل بمسألة الرشاوى الانتخابية، والتي ستقوم بدورها بالمبادرة للتحقق في الأمر ومن ثم تجميع الوثائق اللازمة وتحويلها للنائب العام في حال ثبتت الشكوى.

وكان القانون الجديد واضحا فيما يتعلق بسقوف تمويل الحملات الانتخابية، وسيكون على هيئة الانتخابات دور كبير لمراقبة واحتساب هذه الموازنات وتحديدا الموازنات النهائية خصوصا وأن المال الأسود والفاسد يكون في الخفاء، ولا يمكن وضع رقيب على رأس كل شخص ولكن هناك رقابة عامة.

وقال الرواشدة إن العديد من القضايا تم تحويلها إلى النائب العام في الأوقات السابقة، متسائلا في الوقت نفسه عن مصيرها، حيث "لا يعلم أحد طبيعة الأحكام التي صدرت بحقها".العرب  اللندنية