متى ندخل عصر ما بعد الرقمي؟
تناول أستاذ الفيزياء النظرية ميتشيو كاكو في جامعة نيويورك، وهو مؤلف كتاب "التفوق الكمي" الذي يبحث في عصر ما بعد الرقمي٬ أي عصر فيزياء الكم أو الكوانتم وعصر الحواسيب العملاقة التي تختلف في جوهرها عن الحاسبات الموجودة في عالمنا، التهديدات النابعة من الذكاء الاصطناعي على البشرية.
وأشار إلى أن هذه الحواسيب تستطيع إجراء ملايين العمليات في ثانية واحدة، وتقدم حلولا جذرية لبعض أكبر التحديات التي تواجه البشرية، بدءًا من علاج الأمراض واستئصالها حتى توفير الطعام لسكان الأرض الذين يتزايدون باستمرار.
وبحسب كاكو فإن الذكاء الاصطناعي يشكل تهديدًا للبشرية٬ لكن لا يزال هناك وقت للسيطرة عليه.
تعرف على دماغك
ويؤكد كاكو أنه عند تحليل الدماغ البشري، نجد على الأقل ثلاثة مكونات رئيسية: الجزء الخلفي من الدماغ أو جذع الدماغ: وهو المنطقة المسؤولة عن إدراك الأبعاد الثلاثية للأمكنة التي نوجد بها وكيفية التعامل معها.
ومركز الدماغ أو المخيخ: والذي يرى أنه قد تطور مع تطور الإنسان وهو الجزء المسؤول عن الذكاء الاجتماعي.
الجزء الأمامي من الدماغ: وهو أهم منطقة إذ تَكمن فيه بحسب الباحث ما وصفها بآلة الزمن، إذ نستطيع بواسطته أن نرى المستقبل بدون توقف. وتتم عمليات قراءة المستقبل عن طريق الاستفادة من تجارب الماضي وتحليلها.
وهنا يطرح كاكو سؤالا٬ هل نتساوى جميعا في القدرة على التنبؤ بالمستقبل؟ وما الذي يميز الدماغ البشري العادي عن الدماغ العبقري؟
ويجيب بأن العقل البشري العادي هو عقل انتهازي، أي قناص للفرص، ينتظر فقط الفرصة المتاحة ويقتنصها دون جهد يذكر.
أما المفكرون العظماء فيستخدمون آلة الزمن في دماغهم - أي الجزء الأمامي من المخ - ويحاولون استشراف المستقبل٬ وهذا هو جوهر الذكاء.
ويتمثل ذلك في أحلام اليقظة، التي تحاكي باستمرار مستقبلا غير مرئي أو موجود. إذ يمكنك أن تفكر في المستقبل، بعد مئة عام مثلا. وهذا لا يفعله الدماغ العادي. فالدماغ المتفوق، دماغ الأشخاص الأذكياء، هو دماغ آلة الزمن. ويؤكد أن الذي اكتشف الكهرباء، أو الهاتف، أو الآلة البخارية رأى ما لم يره غيره.
مراحل التطور
ويعتقد الباحث أن العالم تنقل من عصر إلى عصر، من العصر الحجري البدائي إلى العصر الزراعي٬ ثم عصر الميكنة حينما بدأ الإنسان يعتمد كثيرا على الآلة، وانتقل منها إلى ثورة المواصلات كالسيارات والطائرات قبل الانتقال في بداية ثمانينيات القرن الماضي إلى عصر المعلومات الذي استمر حتى عام 2000، وصولا إلى العصر الرقمي أو عصر الإنترنت الذي عشناه منذ بداية الألفية، واستمر إلى عام 2015 حتى ظهر العصر الكمي أو عصر الحواسيب العملاقة الذي نعيش بدايته الآن. وأكد أن كل عصر يحل لا يلغي ما قبله من عصور، بل يعززها ويبني عليها.
العصر الكمي
ويذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية بنت حاسوب "فرونتير" الخارق بتكلفة قدرها 600 مليون دولار وهو يحتوي على ملايين المكونات. وعمل على قاعدة بياناته أكثر من 100 متخصص ويمكن من خلاله إجراء مليون تريليون عملية في الثانية، وبني على مساحة 680 متراً مربعاً٬ ويستطيع كل شخص على كوكب الأرض إجراء 60 عملية حسابية عليه في وقت واحد دون توقف لأربع سنوات. وحاسوب فرونتير هو أقوى بـ147 مليار مرة من أول حاسوب عملاق عرفه العالم.
والمثير هنا أن القفزة الكبيرة التالية في العلم هي استخدام تقنية الكم لفهم الأفكار الكبيرة والصغيرة. وتعتمد هذه التقنية على حساب جزيئات الذرة وما هو أقل من ذلك في تحليل أدق المعلومات، في محاولة للإجابة عن التساؤلات وتقديم الحلول اللازمة للأزمات والمشاكل.