الانتخابات المقبلة وقبعة الحزبية
بقلم عمر عليمات
البُرُوفَة هي عملية تدريب للتأكد أن الأمور ستسير كما يجب، وهي تمرين يهدف للإعداد الجيد قبل الخروج للجمهور، لتلافي الأخطاء التي من الممكن وقوعها، والتأكد أن رد الفعل سيحقق الهدف المراد.
البُرُوفَة الحزبية للانتخابات النيابية المقبلة، يبدو أنه تم القفز عليها، بحيث استبدلت بالتجربة المباشرة، وهذا ما يجعل منها انتخابات مفصلية، يمكن أن تقرر التوجه العام لسنوات طويلة، فإما ترسيخ للتجربة أو نكوص شعبي عن مجمل الحياة النيابية.
رئيس مجلس مفوضي الهيئة المستقلة للانتخاب، يقول إن الانتخابات المقبلة ستكون بمثابة «تمرين بالذخيرة الحية» للأحزاب، وهذا وصف دقيق لما يجري على أرض الواقع، إلا أن ما يجب الانتباه له هو أن التدريب بالذخيرة الحية، قد ينتج عنه أضرار فعلية، ففي البُرُوفَات يمكن تلافي الأخطاء أما استخدام الذخائر الحية فالخطأ قد لا يمكن تلافيه أبداً. المتابع لواقع الأحزاب لا يحتاج لتدقيق ليكتشف أنها تشبه بعضها البعض إلى حد كبير، باستثناء عدد قليل من الأحزاب ذات البُعد الأيديولوجي، لدرجة أن الفوارق بينها ضئيلة أو حتى غير موجودة، خاصة وأنها تتناول القضايا بشكل عام وبمواقف متشابهة، وضمن آليات بعيدة عن تقديم مواقف وتوجهات محددة وواضحة.
ما جرى فعلياً بعد صدور قانون الانتخابات الجديد، هو ارتداء لقبعة الحزبية، فما شاهدناه منذ صدور قانون الانتخابات الجديد، هو استقطاب قائم على الأدوات العشائرية والمالية والمصلحية، فبعض مَن يتصدر المشهد الحزبي اليوم شخصيات كانت لوقت طويل بعيدة عن كل فكر حزبي أو قناعة بأهمية العمل الحزبي من حيث المبدأ، إلا أنها رأت في القائمة الحزبية المدخل الأسهل إلى «قبة العبدلي»، وما جرى فقط استبدال قناة الترشح فقط.
على مدى العامين الماضيين، انشغلت العديد من الشخصيات بإعادة هندسة طريق الوصول إلى البرلمان، عبر عملية تجميع للقوى ذات الثقل المالي والعشائري، بهدف استقطاب الأعضاء لتحقيق الشروط المطلوبة لتأسيس الأحزاب، وقد يكون هذا الأمر في بدايته مقبولاً نوعاً ما، لحداثة التجربة إلا أن ما جرى بعد ذلك هو ما يثير التساؤلات حول قناعات بعض الحزبيين بمفهوم الحزبية، فلا برامج ظهرت ولا أفكار محددة لكفية التعامل مع القضايا الوطنية المهمة تم طرحها، ولا حتى عناوين رئيسية يمكن التقاطها من الناخب ليتمكن من الاختيار بين القوائم الحزبية، فكل ما شاهدناه ليس أكثر من منصات تواصل اجتماعي أو بيانات انشائية دون تقديم حتى معالم رؤية محددة لمعالجة القضايا الملحة التي ترتبط بالأداء الحكومي وتطلعات المواطنين.
ما يجري في المشهد الانتخابي لا يختلف كثيراً عن المشاهد السابقة، فما زال استقطاب الناخبين مبني على ذات الأسس، فالشخصيات التي ستستحوذ على صدارة القوائم هي التي ستحدد الأحزاب الفائزة، فما يحدث هو تسويق لأفراد وليس أحزاب وبرامج ورؤى، ناهيك عن أن خيارات تصدر القوائم قد تتم بناء على أسس نحن في غنى عنها وعن مشاكلها بعد الوصول إلى كرسي النيابة.
المنطق يقول إن التجربة البرلمانية الحزبية المقبلة، يجب التعامل معها ضمن مفهوم «البُرُوفَة الحزبية» لا ضمن مفهوم الحياة الحزبية، ويجب ألا يُبنى عليها أي تصورات وأحكام، فالكثير من الأسماء ستعود تحت القبة وهي ترتدي قبعة الحزبية فقط، وهذا ما يجب استيعابه والتعامل معه.
بالمحصلة، علينا منذ اليوم البدء بالبُرُوفَة الحزبية الحقيقية على مدى أربع سنوات مقبلة، وعدم التعويل كثيراً على التجربة الأولى، فالمطلوب فعلياً هو العمل على خلق نخب سياسية وازنة ودعم جيل جديد يمتلك رؤى وإمكانات حقيقة وأفكار واقعية للتعامل مع قضايانا، بعيداً عن آليات التدوير التي أثبتت أنها عبء أكثر منها حلا لمشاكلنا.