الكرة في مرمى الأحزاب

رمزي الغزوي 

سيكون المجلس النيابي العشرون بعد أشهر معدودة مجلساً مختلفاً تماماً عمن سبقه من مجالس، إذ سيضمُ ما يزيد عن ثلث أعضائه حزبيين جاءوا عبر قائمتين وطنية ومحلية، تبعاً لقانون الانتخاب الجديد الذي كان واحدا من مخرجات عملية التحديث السياسية، التي انتهجتها الدولة قبل أكثر من عامين من خلال لجنة ملكية أعدتها، وصادق عليها مجلس الأمة دون تغيرات تذكر.
ثمةُ خوف كبير من تعرقل التجربة وبقائها ضمن قشرية لا تصل إلى عمق العمل البرلماني الحزبي، وقدرته على أن يكون رافعة عمل حقيقية. فنحن شعب لم نعتد على التحزب، والانضواء تحت حزب نتبنى أفكاره ونعمل على ترجمتها إلى برامج وأعمال ملموسة، وهذا خوف مشروع يستدعي ألا نرفع سقوف تفاؤلنا.

لكني متفائل حقاً وعندي شعور أننا سنحقق اختراقاً هاماً في الحياة البرلمانية، ليس في المجلس القادم، بل ربما في المجلس الذي سيليه، فالتجربة الحزبية تحتاجُ إلى أن تختمر وتشيع شعورا للمواطن أنه أمام حالة فريدة ومفيدة تستدعي منه أن ينخرط بها بكل وجدانه لا أن يبقى مراقبا على الضفاف.

ومع كل تفاؤلي ذلك إلا أنني أتوقع ألا يزيد عدد الأحزاب النافذة إلى المجلس القادم على ثمانية، ودون أن يتجاوز أكثرها الثمانية مقاعد أيضا. الأمر الذي سيحتم على تلك الأحزاب أن تلجأ إلى ائتلافات وتحالفات لتكون مؤثرة في القرار البرلماني.
لدينا 38 حزباً الآن وجلها سيقدم على خوض التجربة القادمة التي ستختبر إلى أي حد وصلت جذور كل حزب في تربة المجتمع السياسية. وهذه التجربة ستفرز الأحزاب الحقيقية عن الأحزاب الشكلية التي ستذوب وتنطفئ وتحل نفسها أو أن تلجأ إلى الاندماج مع أخرى لتبقى على قيد الحياة.

ولدينا اليوم ما لا يزيد على 80 ألف مواطن حزبي فقط في مجتمع يزيد تعداد سكانه على 11 مليون نسمة، وكأن الأردنيين ما زالوا يعانون من «فوبيا التحزب»، وما زالت تسري في وجدانهم ودمائهم بشكل ما، وأن حظر العمل الحزبي بعد حل حكومة سليمان النابلسي 1957 (أول وآخر حكومة حزبية ائتلافية ولم تعمر إلا بضعة أشهر) ما زال يشكل حاجزا خفيا قويا في وجدان الناس، وللأسف، فعودة الحياة البرلمانية عام 1989 لم تعد تفعيل الأحزاب بشكل حقيقي، وهذا ما قوى سلطة العشائرية والمناطقية والفردية.

وعليه فمطلوب من الأحزاب، حين وصولها إلى البرلمان، أن تثبت جدارتها وقوتها وصدقها، وأن تعمد إلى الدخول في عمق قضايا المجتمع ومعالجتها بالبرامج الحقيقية لا بالشعارات الفضفاضة؛ كي تزيل تلك الفوبيا، وتجعل المواطنين يقبلون على التحزب والعمل الحزبي.