عندما ضاقت شرايين قلبه!
بقلم رشاد ابو داود
كان خائفاً حد الرعب. قلت له : ما بك؟ أجابني عنه صديقنا المشترك الذي عرفني به للتو ونحن نجلس في أحد المقاهي : إنه عاشق ويريد أن يتزوج من حبيبته. قلت له ولماذا الخوف، يفترض أن يكون سعيداً، أليس معه تكاليف الزواج، أم أن أهلها يعارضون؟ هنا تشجع الخائف وقال : لا هذه ولا تلك. تلعثم وتردد ثم أكمل :
مشكلتي أنني قبل فترة شعرت بتعب في صدري ثم تعرقت وشعرت بدوخة. أخذني أخي الى المستشفى. في قسم الطوارئ أجروا الفحوصات الأولية المعتادة وأهمها تخطيط القلب. هنا قالوا لأخي يجب أن نستدعي طبيب القلب الذي حضر ورأى التقرير الطبي وسمعته يقول انقلوه إلى غرفة العمليات.
نقلوني وحقنوني بالبنج ولم أدرِ ماذا جرى بعدما تأكد الأطباء بدء مفعولها. بعد ساعتين من العملية و استيقاظي أخبرني الطبيب أنه وجد ثلاثة شرايين أحدها مغلق بنسبة ثمانية وتسعين بالمئة واثنين آخرين بنسبة أقل وأنه ركب لي ثلاث شبكيات.
مشكلتي ليست هنا. فبعدما اتبعت نصائح الطبيب واقلعت عن التدخين وخففت من مجهودي وتحسنت حالتي الصحية فانني أريد الزواج من الانسانة التي أحبها منذ ثلاث سنوات و تواعدنا على الزواج.
ضحكت بصوت عالٍ وقلت له : طيب وين المشكلة؟
ظن أنني أسخر منه وأبدى استياءً من ردة فعلي وكاد أن يغادر. قلت له : لحظة، اسمع ما جرى معي قبل عشر سنوات وهو تقريباً نفس ما جرى معك من أعراض وعملية تركيب ثلاث شبكيات.
« ها و بعدين ؟ « قال وهو يستعجل السمع لباقي حكايتي. قلت : امتنعنت عن التدخين يومين، وباعتباري مدخناً شرهاً ليس «دناوة نفس» بل ربما بسبب طبيعة عملي الصحفي وما يرافقه من توتر فالسيجارة لم تكن تنطفئ ولا فناجين القهوة تفرغ طالما أجلس على مكتبي ما لا يقل عن عشر ساعات في اليوم فيما وكالات الأنباء والفضائيات تمطرني بأخبار الحروب والمآسي الانسانية في هذا العالم المجنون. في اليوم الثالث وهروباً من الرقابة المشددة من زوجتي وأبنائي في البيت كنت أسرق سيجارتين وأنزل الى كراج البناية أدخنهما بنهم.
بعد أسبوع ذهبت لمراجعة الطبيب كما طلب مني. فوجئت به يجلس مع أطباء آخرين وكان.. يدخن ! صدمت وقلت له : دكتور أنت تمنع مرضاك من التدخين و أنت نفسك تدخن !!
ضحك وقال اجلس واسمع : اسباب أمرض القلب هي أولاً وثانياً و رابعاً هو التوتر، وخامساً حتى ثامناً الدهون، ويأتي التدخين في المرتبة التاسعة و العاشرة.
فرحت و قلت له : أكيد دكتور ؟ قال نعم لكن باعتدال.
ركضت الى البيت و أخبرتهم بما قاله الطبيب وأشعلت سيجارة بجرأة وعدت أدخن أيضاً باعتدال كما قال الطبيب. وامتنعت عن تناول الدهنيات و النشويات والمعلبات و الزيوت المهدرجة مقابل الاكثار من الخضروات والحشائش مع قليل من الخبز الأسمر وواصلت تناول الأدوية التي وصفها الطبيب بانتظام وخففت ما استطعت من التوتر، علماً أن الحال في زمننا هذا يجلط حتى الطفل.
قلت للخائف : وها أنا أمامك بعد عشر سنوات بصحة جيدة وأمارس حياة طبيعية بلا خوف. اذهب يا صديقي، اطلب يد حبيبتك و تزوج جداً وأنجب أطفالاً وعش بسعادة.
انفرجت أساريره وقال أيضاً : عنجد؟ قلت له : نعم عنجد.
وبالفعل تزوج وعاش بثبات و نبات و أنجب صبيانا وبنات. وظل كلما رآني يشكرني.
هذه ليست دعوة لمواصلة التدخين، فهو ضار بالصحة بلا شك لكنه ليس السبب الأول والأهم لأمراض القلب.