فتاوى سيبرانية
بقلم د. ماجد الخواجا
تكتظ مواقع التواصل في خطابات متناقضة إلى درجة الكراهية المقيتة والعداءالشديد لذات القضية أو الموضوع، وهذا ليس غريباً وهو يدخل في باب الرأي والرأي الآخر وإن وصل إلى درجة التطرّف والتعصّب والغلّو غير المبرر، نحن نشاهد منذ السابع من أكتوبر الماضي روايات وخطابات منها ما هي مؤيدة بالكامل لما جرى من طرف المقاومة الفلسطينية، ومنها ما هي محايدة تستند إلى التحليل والتقييم بعيداً عن حسابات العواطف الذاتية، فيما هناك المعادية تماماً والرافضة لما جرى معتبرة إياه بمثابة التهوّر والتضحية بالمدنيين ومحاولة توريط الأنظمة السياسية وجرّها إلى مستنقع حرب غير معروفة النتائج، ومنها من زاد في تطرّف رؤيته إلى درجة التخوين.
لكن حديثي موجّه لأولئك الذين يتبنون فكرة أن على « الفلسطينيين» حلّ مشاكلهم بأنفسهم، وأن لا يطلبوا ولا ينتظروا أي دعم او مساعدة من غيرهم، فهم أصحاب المشكلة، وهم من ينبغي عليهم مواجهتها وحلّها وحدهم.
لن أسرد كثيراً من وقائع التاريخ القديم أو المعاصر الذي يشير إلى عدم صحة ما يرويه هؤلاء الانعزاليون، لكن لنتذكر أن الخليفة الراشدي الثاني الفاروق هو من سار على راحلته من مكة إلى القدس كي يحمل مفتاح أبوابها ويصلّي في مسجدها معلنا انضواءها تحت لواء الإسلام، لم يكن الفاروق فلسطينياً حينها ولم يخطر ببال أحدٍ أن يسأله عن جنسية أو هوية، ولنتذكر أن صلاح الدين الأيوبي الكردي هو من فتح القدس وحررها من الصليبيين، لم يكن فلسطينياً، ماذا عن قطز والظاهر بيبرس المماليك الذين انتصروا في موقعة عين جالوت في فلسطين وأوقفوا الغزو المغولي المهلك الذي عاث في بلاد المسلمين قتلاً وخراباً، لم يكونا فلسطينيين بالمطلق.
أما في التاريخ المعاصر، فيكفي الاستشهاد بتحرير الكويت على يد قوات عربية ودولية مع وجود قوات كويتية، يكفي أن نذكر تشكيل تحالف عربي للحرب في اليمن ضد الحوثيين.
لم يتم تحرير أية بلاد بالاستناد فقط إلى أهلها، وللتاريخ شواهده في ذلك، كانت كل الحروب والغزوات ليس فقط العربية والإسلامية، بل الحروب العالمية الأولى والثانية تقوم على حشد أكبر عدد من المقاتلين من مختلف البلاد تحت راية واحدة وغاية محددة بصرف النظر عن منبت وأصول من يقاتلون لتحقيق تلك الغايات.
هل نتحدث عن حرب أذربيجان وأرمينيا وإقليم ناغورني كاراباخ عندما تحشدت أطراف مؤيدة لهذه الجهة أو لتلك.
هل نتحدث عن الدعم الأممي بالسلاح والقرارات والتسهيلات التي تتدفق على أوكرانيا منذ بداية حربها مع روسيا، حيث مئات المليارات أنفقت وحيث تم فتح أبواب بولندا وألمانيا وغيرها لعشرات الملايين من اللاجئين الأوكرانيين.
بل إن الدعم المتواصل وغير المحدود من قبل أقوى دول العالم لهذا الكيان الصهيوني الاحتلالي استمر لعشرات السنين وظهر بأوضح صوره منذ موقعة طوفان الأقصى عبر جسور من تزويد الكيان بأحدث الأسلحة، وعبر الدعم المادي المباشر، والدعم بكافة الوسائل العسكرية وحاملات الطائرات.
إن تاريخ الدول والشعوب والحروب تدلل على أنه لم تكن هناك حرباً خالصةً محصورة بين دولة وأخرى، بل حفظ التاريخ أن معظم الحروب كانت تشارك فيها عديد من الجهات ضمن اعتبارات خاصة قد تكون دينية أو عرقية أو طائفية أو مذهبية أو أيديولوجية أو سياسية أو قومية أو تحررية.
فكيف يطلبون من أنبل قضية في العالم أن تتلقى كل الصفعات وحدها دون أن يرتد لهم أي طرف.
دعوها فإنها منتنة، تلك الفتنة والكراهية غير المفهومة بين أبناء اللغة والتاريخ والهوية والمعتقد والقومية الواحدة. النصر لغزّة وأهلها وكل المجد والكرامة للأمة جميعها.