الربع الأخير من العمر
رشاد ابو داود
تفتح باب خزانتك. تنظر الى بدلاتك وربطات العنق والقمصان والجاكيتات الفاخرة. تغلق الباب، تغيب ساعة ثم تعود تفتح الباب. تجربها، تقول لنفسك : ما بالها أصبحت واسعة ؟ ولا تقول ما بالي أصبحت أقل لحماً وشحماً و عظماً، طولاً و عرضاً ؟.
مهما حاولت أن تبدو شاباً فإن « العدادة بتحسب» لا تتوقف ولا تنتظرك لكي لا تكبر. صحيح أن الشباب شباب الروح لكن الزمن يركض بك وعليك. لا أعني بعض التجاعيد على الوجه فهذه يمكن اخفاؤها بمستحضرات وعمليات التجهيل وليس التجميل كما يسمونها. كتبت مرة « اذا انحنى ظهرك لا تنحني معه «، كان ذلك من باب الأمل لكن يبدو أن الأمل أيضاً يشيخ، يستسلم لسنة الحياة.
صحيح أن الروح قبل الجسد. وأن الروح اذا لم تذبل تبقى شابة حتى آخر العمر، لكن هذا الملعون الجسد لا يمكنه هزيمة عوامل الطبيعة. فجنون خلية واحدة من ملايين الخلايا التي يتكون منها كفيلة أن تغوي خلايا أخرى بتدميره عضواً عضواً. شوكة، حتى لو كانت شوكة وردة، ان اصابت منطقة حساسة في الجسد وسكنت يمكنها أن تلغي ساقا أو قدما أو يدا.
الحياة قطار اجباري والنزول منه اجباري أيضاً. ثمة محطات يمر بها و أنت لاخيار لك. ولو قسمنا «الرحلة « الى أرباع فلكل ربع ميزاته ومهامه، سلبياته و ايجابياته. وكما يقول عالم الاجتماع السويدي بير يوهانسون : فجاة تكتشف أنك في الربع الأخير من عمرك. وتستغرب كيف مضت الأرباع الاولى وكنت في الربع الاول تظن أن الرابع بعيد.أين ذهبت كل تلك السنين بل أين ذهب شبابي؟.
أصدقاؤك متقاعدون يتحركون ببطء يسمعون بعسر ويستوعبون بمشقة. مجرد الاستحمام يصبح هو الهدف الفعلي ليومك. القيلولة لم تعد اختيارية بل اجبارية فانك ان لم تقم بها ستغفو على مقعدك.
يقول يوهانسون في مقال كتبه لكبار السن أو «المسنين « حسب ما يحلو للخال محمد الخطايبة اطلاقه علينا حتى قبل الربع الأخير، يجب أن تضع في اعتبارك ما يلي :
ان الخروج من البيت جيد لكن العودة اليه أفضل. ستنسى الأسماء لا بأس لأن بعض الناس نسوا انهم يعرفونك ايضاً. ( وكما قال محمود درويش : تُنسى كأنك لم تكن ). ستنام على الأريكة وأنت تشاهد التلفزيون بشكل أفضل مما لو كنت نائماً في سريرك. ستستخدم الكلمات القصيرة مثل : نعم، لا، متى، ماذا ؟
هذا بعض مما قاله العالم السويدي وما أدهشني أني شعرت أنه يتحدث عني. فأنا الذي كانوا يصنفوني بأني كائن ليلي أبدأ حياتي الخاصة عندما ينتهي عملي في الجريدة عند منتصف الليل أقرا و أكتب واشاهد التلفزيون، بدون الأخبار طبعاً، ولا أنام قبل الرابعة فجراً، أجدني ان خرجت من البيت نهاراً أعود الى البيت عند المغرب ولا أحب الخروج ليلاً.
كذلك أقول لزوجتي : لا أحب الأكلات الحديثة مثل المعكرونة بالبشاميل و الفيتوتشيني، واللازانيا، التشاينيز فود و الاندومي والكوردن بلو و الشاورما فقد أكلت منها الكثير، أريد طبخات أمي زمان، بامية، بطاطا على ايدامها، خبيزة، بيصارة. قاطعت الرز و المعالق وأصبحت أحب التغميس بالخبز الأسمر.
يقول العالم السويدي : نحن نعلم أننا لا نستطيع ان نضيف وقتاً الى حياتنا لكننا يمكن أن نضيف حياة الى وقتنا.
وأنا اقول : كن أنت. فلكل مرحلة من العمر جمالها و متعتها. ربما في حفيد أو حفيدة، ربما في حديقة أو وردة، في نبتة أو شجرة، في بسمة و كلمة طيبة صادقة.
تمتع بما أوتيت من نعمة فالأعمار بيد الله.