من يملك حق الرد؟
بقلم بشار جرار
وسط ضجيج السجال حول الرد، والرد على الرد في روايتيه الإيرانية والإسرائيلية، ارتفعت حدة مؤشرات ما قد يكون المرحلة الرابعة والأخيرة من حرب السابع من أكتوبر، معركة اقتحام رفح الفلسطينية.
وفيما انقسم بعض القوم بين متحمسين ومرجفين، مشككين ومتفرجين، لم يستمع العالم من الضحايا الحقيقيين والمعنيين أكثر من غيرهم فيما جرى ويجري في قطاع غزة. حتى الأكثر تعاطفا من الأشقاء العرب والمسلمين والفلسطينيين لم ينصتوا كفاية للغزيين تحت النار فحالهم غير حال أشقائهم في بلاد اللجوء والمهجر والشتات. لم يعر معظم الأطراف أذنا صاغية لمن يملك الحق الأوليّ وربما الحصريّ، في كل ما يجري باسمه وباسم قضيته، وهم أهلنا إخوتنا الأحبة في غزة هاشم.
بمصارحة قد لا تحقق مصالحة بل عكسها وهو الصدام لا مجرد الانقسام، ما عاد الوضع قابلا للإرجاء في التحذير ممن يظنون الحل في التصعيد أو مزيد من التخندق والتمترس خلف شعارات ثبت سقوطها.
قبل زهاء قرن، طلع البعض علينا بشعار: لا صوت يعلو على صوت المعركة فاختطف المسلح قرار السياسي ودخل الجميع بالتخويف أحيانا وبالتشجيع أحيانا في حالة من التعطيل والتسويف ادعاء بأن الأولوية هي لما قالوا إنه تحرير للأرض وللإنسان فتم تضييع الاثنين معا للأسف.
من المسلّم به لدى كثيرين أن القضية الفلسطينية ما زالت في معظم السرديات الإعلامية الأهلية والرسمية، القضية المركزية لدى العرب والمسلمين والشعوب التي تبنت سابقا أيديولوجيات المعسكر الشرقي في الشيوعية والاشتراكية والحكم الشمولي المركزي، فيما صارت الآن قضية تتصدر أولويات اليسار والعولمة فيما يخص علاقة السبع الكبار وروسيا مع الشرق الأوسط.
إن كانت حقا كذلك، فقد جربت المحافل الدولية، الاستماع لمن يتحدث باسم الفلسطينيين. للأسف ما كان الموقف أبدا موحدا، وظلت صفة الانقسام والاستقطاب والتشظي تفتّ من عضد الصمود الإنساني الفلسطيني قبل الوطني. من الحاج أمين الحسيني إلى ياسر عرفات، وبعد قرار قمة القمة العربية في الرباط 1974 لم يسلم التمثيل الفلسطيني والقرار الفلسطيني من دق الأسافين ليس داخل أركان البيت الفلسطيني بل وبين الفصائل ومن يمولها ويرعاها، كل لمصالحه وأجنداته.
الطامة الكبرى تحققت في تفتيت التراب الوطني الفلسطيني إثر البتر والإقصاء والتخندق في غزة قبل سبعة عشر عاما. كل جهود المصالحة تم عامدا متعمدا إجهاضها ولم تشفع شلالات الدماء بالكف عن الإيغال في الجسم الفلسطيني. فإن كانت حرب أو تفاهمات إيران وإسرائيل تعيش دور «من يملك حق الرد؟» البادي أم الباغي، فإنه من الظلم إنكار هذا الحق على مدنيي غزة تحت النار والحصار. نعم المدنيون لا المسلحون ولا حتى السياسيون من أي فصيل كان. الموت والدمار الذي شهدناه على الهواء مباشرة نصف عام حري بأن يسكت الجميع ويضعهم في حال إنصات تام لصوت أهالي غزة، الصامدين طوعا وكرها تحت نار الحرب وجمر حروب الآخرين..