معادلة الاتهام واستدعاء صكوك البراءة
بقلم حسين الرواشدة
ثمة من يحاول أن يضع الدولة الأردنية، على الدوام، في دائرة الاتهام والتشكيك، وثمة من يتطوع، وينفعل أحيانا، بقصد أو بدون قصد، للدفاع عنها ومحاولة تبرئتها، هذه المعادلة يجب أن تنتهي وتتوقف، الأردنيون لا يقبلون أن يكونوا متهمين، ولا يحتاجون للدفاع عن انفسهم وبلدهم، لقد كانوا -ومازالوا - أُصلاء وأوفياء للمبادئ والقيم التي قامت عليها دولتهم، ويدركون تماما أن وراء هذه اللعبة التي تبدأ بالاتهام وتنتهي بالدفاع، فاعلون خبثاء، هدفهم إبقاء بلدنا في حالة ارتباك وعجز، وإشغاله بالردود وتقديم أوراق البراءة، ثم إغراقه بتأنيب الضمير، وانتزاع ثقة أبنائه منه.
لقد اكتشفنا على مدى الشهور الماضية أن إدامة حركة التشكيك والاتهام للدولة، تاريخاً ومواقف وإنجازات، جزء من مخططات جاهزة لصناعة حالة الاحتقان العام، وتقسيم المجتمع إلى فرقاء يتبادلون اللكمات، لا مجرد الكلمات، اكتشفنا، أيضا، أن دوائر الاتهام تبدأ صغيرة ثم تكبر وتتوسع، وينضم إليها جوقة من المعروفين والمجهولين، وسواء أكانوا في الشارع، أو على منصات التواصل الاجتماعي، أو في الخارج، فإنها تتجمع في سياقات محددة ومنسجمة، ثم تصب باتجاه محاولة إضعاف الدولة، والعبث بنواميسنا الوطنية، و إفساد مزاجنا العام، وتهديد وحدة مجتمعنا وأمننا الاجتماعي.
لا يوجد دولة في العالم يمكن أن تسمح بإنشاء «ميليشيات» تستخدم أسلحة التشكيك لضرب سمعتها، أو الإساءة لمواقفها، أو تجريح رموزها، أو تخوينها، هذا الذي نسمعه لا يندرج في باب النقد السياسي، ولا ينسجم مع منهج المعارضة الوطنية، ولا يصلح للتعامل مع شعب له تاريخ طويل مزدحم بالمواقف النبيلة، ودماء الشهداء، ونماذج التضحية والوفاء، وله حاضر عنوانه العزة والكرامة، وله مستقبل يرفض أن يكون مرتهنا لأي طرف، أو ممرا لأي طارئ أو عابر، الأردنيون ليس متهمين لكي يدافعوا عن انفسهم، ولا مواقفهم محل شك لكي يتبرؤوا منها، ولا إنجازاتهم مجالا للغمز واللمز ليخشوا من إشهارها والاعتزاز بها.
لقد أخطأنا حين سمحنا لبلدنا أن يتحول إلى مزادات للمظلومية، وحوزات لتبادل اللطميات، وملاذات آمنة لهواة الصيد، وصناع الأزمات، ومروجي المخدرات السياسية، فلنا تاريخ طويل يشهد على انتصاراتنا، ولنا رموز ممتدة في تربتنا الوطنية، لم نظلم أحدا ولا نقبل الظلم ولا الضيم، نرفض الاستغراق باليأس أو الإحساس بالدونية، لسنا ضعفاء لنستجدي دفاع أحد عنا، ولا خبز شعير يأكله القادمون إلينا ثم يوزعون علينا مذماتهم ونقائصهم، حان الوقت لكي يستيقظ الأردنيون على تاريخهم، ويستعيدوا إرثهم، ويحتفلوا بمواقفهم وإنجازاتهم، ويضعوا أصابعهم في العيون التي لا تراهم إلا من ثقب مصالحها وضغائنها، وأبراجها العاجية.
مثلما يجب أن تتوقف ماكينة التشكيك ببلدنا، وأن تصمت الأصوات الناشزة التي تسيء لسمعة دولتنا ومواقفها، وذلك باستدعاء دولة القانون، لابد، أيضا، أن نتوقف عن فزعات الدفاع عن بلدنا، الأردنيون ليس بحاجة ليدافعوا عن أنفسهم، وليسوا في موضوع اتهام لفعل ذلك، لقد فعلوا كل ما يجب أن يفعلوه وما تمليه عليهم ضمائرهم الحية، ولا يحق لأحد أن يوزع عليهم صكوك البراء الوطنية، أو الدينية أو القو مية، انتهى عصر الأستذة، وتجاوزنا مرحلة استيراد الرموز وتقديسها، وأصبح لدينا من الوعي ما يكفي لفهم ذاتنا والعالم، وتقدير حدود مصالحنا، وترسم خرائطنا بمداد المبادئ التي لا تخضع للمزايدة ولا الاستقواء.