أولويّة مُلحّة
د. أحمد يعقوب المجدوبة
الأولوية الأولى بالنسبة لقطاع غزة هي، بالطبع، وقف حرب الإبادة التي يشنها الكيان وقفاً فورياً وتاماً؛ وهذا ما طالب به الأردن وطالبت به معظم الدول التي تُقدّر حياة الإنسان وحقوقه منذ اليوم الأول.
ولعلّ أول خطوة بهذا الاتجاه وقف إرسال الأسلحة للكيان من قبل الدول الغربية، وهذه هي ورقة الضغط الأهم على الكيان، فبدون الأسلحة التي يتلقاها من تلك الدول سيضطر إلى وقف عدوانه مُرغماً صاغِراً. وهنالك دعوات متزايدة وضغوط من داخل تلك الدول لفعل ذلك، ونأمل أن تنجح.
لكن إلى أن يتم ذلك، وحتى بعده، فالأولوية المُلحّة الآن هي إيصال الماء والغذاء والدواء لأهالي غزة حتى تتوقف المجاعة، ويُقضى على الأوبئة، ويُداوى الجرحى؛ ويتعافى الناس.
الوضع الصحي في القطاع، حسب التقارير الإعلامية والمؤسسية الموثوقة، حرج جداً وكارثي، وقد تتفاقم الكارثة، لا قدر الله، ويحصل ما لا يُحمد عقباه إذا لم يتم التّحرك لعلاج الأمر.
إيصال المعونة الآن – بمكوناتها الثلاثة، الماء والدواء والغذاء – أولوية الساعة.
لقد عُدّ إيصال المعونة، لا ريب، أمراً ضرورياً منذ بدء العدوان على غزة، وتعاظمت أهميته في الأيام التي تلت. ومن هنا كان الأردن أول من استشعر الخطر الناجم عن قطع الإمدادات عن المدنيين التي مارسها الكيان بكل صَلَفٍ ولؤم، ففكر بالإنزالات ونفّذها باحترافية عالية، والتي شكلت السبيل الوحيد لإيصال الإمدادات الضرورية.
الذي يجب أن يُدركه الناس أن الحرب تفتك وتقتل، لكن المجاعة والمرض يفتكان بنفس القدر، وربما أكثر.
ومن هنا وجب التّحرك باتجاهين لا اتجاه واحد: وقف الحرب، ووقف المجاعة والوباء.
عاملان مهمان على الأقل يجعلان الغذاء والدواء أولوية الآن: استهداف الكيان كوادر الجهات المُغيثة وقتلهم عمداً، ومنهم كوادر المطبخ المركزي العالمي، بهدف إفشال مهمة إطعام الناس وإنقاذهم من المجاعة؛ واستخدامه قطع المعونة، وما ينجم عنها من آثار صحيّة مُدمرة، مكوناً أساسياً من مكونات حرب الإبادة.
ومن هنا يتوجب على الجميع إفشال مخطط الكيان على هذا البُعد بكل الطرق.
يجب الضغط عليه لفتح المعابر، ليصل الغذاء والماء والدواء براً، ثم بحراً وجواً إن لزم؛ فكل السبل مهمة.
وهنالك ضغط عالمي بهذا الاتجاه، كما رشح مؤخراً؛ وهذا تطوّر مهم. فكل حياة تُنقذ تُعدّ إنجازاً مهماً، وكل فرصة لإدخال المعونة تُعدّ نافذة مهمة في إفشال حرب التجويع والتدمير الصحي.
وإذا ما تم ذلك، أي فتح المعابر، ونرجو أن يتم، فسيكون الأردن – كما عهدناه دوماً – في الطليعة. الأردن، كما أثبتت الوقائع منذ سنوات طويلة، جاهز ومؤهل للعب دور محوري ومؤثر على هذا البعد، فعنده النية الصادقة في تقديم العون وعنده الخبرة والخطة المحكمة.
وإذا ما تم ذلك، فالمطلوب هو وقفة الناس كلّها مع الدولة لتمكينها من إيصال أكبر مساعدات ممكنة. الدولة الأردنية لا تبخل، وتُكرّس كل إمكاناتها لدعم الأهل والأشقاء، لكنّ وقفة المتبرعين معها ستزيد لا شك من شمولية المساعدات وفاعليتها.
كما يمكن للأردن أن يقود الجهود الدولية في هذا المضمار.
وبعد، فإيصال المعونة الآن لأهلنا في غزة أولوية مُلحّة، مُكمّلة ومُتمّمة لأولوية إفشال حرب الإبادة التي يشنها الكيان.