هل هناك حاجة لمستهدف جديد للتضخم؟!
بقلم د. عدلي قندح
أثارت تصريحات محافظ الاحتياطي الفيدرالي ميشيل بومان تفاعلاً واسعاً في الأسواق المالية ودوائر صناعة السياسات الاقتصادية، يوم الجمعة الماضية، حيث ألمحت إلى احتمالية رفع أسعار الفائدة للتصدي لظاهرة التضخم، مع تحذيرها من التباطؤ المستقبلي للتقدم في هذا المجال، حيث أشارت بومان إلى أن التخفيضات السريعة في أسعار الفائدة قد تؤدي إلى زيادة التضخم، مما يستدعي زيادات أكبر للفائدة في المستقبل. هذا التصريح يأتي في ظل توتر متزايد حول مسار سياسة الفائدة وسط ارتفاع في أسعار المستهلك وتحسن مستوى التضخم.
ترتكز استراتيجية بومان على التوازن بين ضرورة الحذر والحاجة إلى تقديم تدابير فعالة للحد من التضخم. ومن خلال تأكيدها على أن الزيادات في أسعار الفائدة قد تكون ضرورية، تعكس بومان رؤية محافظة قد تؤدي إلى استقرار اقتصادي أكبر على المدى الطويل.
على الرغم من تحذيرات بومان، يبقى هناك تباين في الآراء داخل الفيدرالي بشأن مسار الفائدة المستقبلي. حيث أشار البعض، بمن فيهم رئيس الفيدرالي جيروم باول، إلى أنه ليس هناك حاجة ملحة لخفض الفائدة حالياً، مما أثار استفهامات حول استراتيجية الفيدرالي في التعامل مع تحديات التضخم والاقتصاد.
من المهم أن نلاحظ أن تحركات الفيدرالي لها تأثير كبير على الأسواق المالية والاقتصاد العالمي، وبالتالي فإن فهم توجهاتهم يعتبر أمراً بالغ الأهمية للمستثمرين والمتعاملين في الأسواق المالية.
يبدو أن التضخم ومسألة تحديد مسار الفائدة ستظلان محور اهتمام الأسواق والمحللين في الأشهر القادمة، وما يقرره الفيدرالي الأمريكي سيكون له تأثير كبير على التوقعات الاقتصادية العالمية.
توجهات أعضاء الفيدرالي بشأن سياسة الفائدة قد تختلف، حيث يركز البعض على الحاجة الملحة لتحفيز الاقتصاد من خلال تخفيض أسعار الفائدة، بينما يركز آخرون على تحقيق التوازن بين تحفيز النمو الاقتصادي ومكافحة التضخم. فهل سنشهد انقسام داخل لجنة السوق المفتوحة في اجتماعها المقبل، بعد أن كانت قرارات الفيدرالي برفع أسعار الفائدة منذ آذار 2022، وقراراته بتثبيت أسعار الفائدة في الخمسة اجتماعات الاخيرة، بالاجماع؟!
قرارات الفيدرالي بشأن سياسة الفائدة لها تأثيرات على الاقتصاد العالمي، حيث يؤثر ارتفاع أو انخفاض الفائدة على مستوى الاستثمار والتضخم وسعر الصرف للدول الأخرى. تشير التصريحات إلى ضرورة وجود استراتيجية واضحة للفيدرالي في التعامل مع التحديات الاقتصادية الحالية، بحيث يكون لديهم خطة فعالة للحد من التضخم دون إضعاف النمو الاقتصادي. لذا، تتطلب إدارة التضخم وسياسة الفائدة توجيهات دقيقة واستراتيجية حكيمة من قبل الفيدرالي، مع التوازن بين تحفيز النمو الاقتصادي وضبط التضخم لضمان استقرار الاقتصاد الكلي.
والتساؤل المهم الآخر الذي يُطرح هو «هل هناك ضرورة لتحديد مستهدف جديد لمعدل التضخم أقرب إلى 3٪ بدلاً من 2٪، ليعكس توجهاً نحو تعزيز التحفيز الاقتصادي وتحقيق نمو أكبر؟».
للإجابة على هذا الاستفسار، نقول: في ظل التحديات الاقتصادية الراهنة وتطورات السياسة النقدية، وطول فترة التشدد النقدي التي استمرت لخمسة وعشرين شهراً، تبرز الحاجة الملحة لإعادة تقييم مستهدف التضخم في الولايات المتحدة. حيث من المتوقع أن يعزز التوجه نحو تحديث هذا المستهدف إلى 3% بدلاً من الهدف التقليدي للإحتياطي الفيدرالي الأمريكي البالغ 2%، الاستقرار المالي والاقتصادي بشكل عام، وفتح الباب أمام سياسة نقدية أكثر فاعلية ومرونة. ومن أبرز مبررات تحديث مستهدف التضخم، نذكر ما يلي:
أولا، تعزيز النمو الاقتصادي: يمكن أن يساهم مستهدف التضخم الجديد في تحفيز النمو الاقتصادي عبر تعزيز الطلب الاستهلاكي. فعندما يتوقع المستهلكون ارتفاع الأسعار في المستقبل، قد يقومون بالإنفاق بشكل أكبر الآن لتجنب زيادة التكلفة لاحقًا، مما يدفع بدوره النمو الاقتصادي.
ثانياً، تحسين فعالية السياسة النقدية: يعزز التوجه نحو هدف التضخم الجديد المرونة في سياسة الفيدرالي ويوفر لهم مجالاً أكبر للاستجابة بوقتٍ أسرع للتحديات الاقتصادية المتغيرة. فعندما يكون هدف التضخم عند مستوى 3%، يتاح للفيدرالي المزيد من المرونة لخفض أو رفع أسعار الفائدة بما يتناسب مع الظروف الاقتصادية الفعلية.
ثالثاً، تجنب الإنكار المالي: قد يعاني الاقتصاد من خطر الإنكار المالي، أو تجاهل أو تقليل أهمية الديون المتراكمة أو الالتزامات المالية الكبيرة بشكل غير مستدام، وذلك عندما يكون معدل التضخم متدنيًا للغاية. ففي حالة وجود تضخم أقل من المستهدف، يمكن أن يتسبب ذلك في تباطؤ النمو الاقتصادي وزيادة خطر الركود الاقتصادي.
رابعاً، تقليل تكاليف التوظيف: يمكن أن يؤدي تحديث مستهدف التضخم إلى تخفيض تكاليف التوظيف، حيث يشجع التضخم الطفيف الذي يعكسه هدف 3% على زيادات أكبر في الرواتب، مما يساعد في تخفيف الضغوط على العمال وزيادة القوة الشرائية للفرد.
خامساً، ضمان استقرار الأسعار: على الرغم من رفع هدف التضخم إلى 3%، يظل الهدف تحت السيطرة وفي إطار الاستقرار المالي، مما يضمن عدم تفاقم التضخم بشكل مفرط ويحافظ على استقرار الأسعار في المدى الطويل. ويصبح تعريف الاستقرار المالي هو تحقيق معدل تضخم عند مستوى 3% وليس 2%.
نختم بالقول إن تحديث مستهدف التضخم إلى مستوى 3% يمثل خطوة هامة لتعزيز النمو الاقتصادي وتحسين فعالية السياسة النقدية، بينما يحافظ في الوقت نفسه على استقرار الأسعار ويقلل من خطر الإنكار المالي. وفي الاردن، نستفيد كثيرا من هذا التحديث اذا ما حصل للبدء بتخفيض اسعار الفائدة لأن معدلات التضخم قد تمت السيطرة عليها منذ شهور طويلة والحاجة ماسة لتحفيز النمو الاقتصادي المتباطئ منذ فترة طويلة وخلق فرص عمل في مختلف قطاعات الاقتصاد.