حلف «الناتو» في ذكراه الـ«75»
بقلم محمد خرّوب
الاحتفال الدعائي الصاخب, وتلويح لا ينتهي باستخدام القوّة, الذي أقامه حلف شمال الأطلسي/الناتو إختصارا, في مقره بالعاصمة البلجيكية/ بروكسل, الخميس الماضي بمناسبة ذكرى تأسيسه الـ«75» (4/4/1949), الذي تم إشهاره تحت مزاعم «حماية أوروبا من التهديد السوفياتي». فقط بعد اربع سنوات من إنتهاء الحرب العالمية الثانية (التي تحالفت فيها الولايات المتحدة وبريطانيا مع الإتحاد السوفياتي), من أجل دحر النظام النازي في المانيا, ولم يكن الحديث وقتذاك (السنوات الأربع التي تلت هزيمة دول «المحور»..ألمانيا, إيطاليا واليابان), سوى عن إعادة الإعمار وسبل تأهيل اقتصادات الدول التي إجتاحها الوحش النازي والفاشي, في اوروبا وخصوصاً الإتحاد السوفياتي (دع عنك الجيش الإمبراطوري الياباني), وتوفير اسباب الحياة لملايين الناس الذي فقدوا منازلهم.
تاسيس «الناتو» أثار المخاوف وأحيا الشكوك التي بدأت بالبروز, مباشرة بعد نجاح الجيش الأحمر السوفياتي في تحرير دول أوروبا الشرقية من الوحش النازي, وصولاً الى رفع العلم السوفياتي 2/5/1945 فوق مبنى «الرايخستاغ» في برلين. وهو ما كان مؤتمر «يالطا» الثلاثي في شباط 1945 بين ستالين, روزفلت وتشرشل, قد حاول التأسيس لنظام دولي جديد, لكن التحالف الأنجلوساكسوني لم يلبث, بعد إعلان «مبدأ ترومان» الذي ألحق بنفسه وبلاده «عار» إلقاء اول قنبلة ذرية في التاريخ على مدينة هيروشيما اليابانية, كان يؤسس لحرب من نوع آخر,... » حرب باردة", بعد نجاح الإتحاد السوفياتي في صنع اول قنبلة ذرية, وإلا لكانت حرباً «ساخنة» موسكو. خاصة ان مبدأ ترومان كان يروم كسياسة خارجية وهدف رئيسي أميركي.. «احتواء التوسّع الجيوسياسي السوفياتي».
لكن ومع تأجّج الصراع بين المُعسكرين, واتخاذ حلف الناتو بقيادته الأميركية خطوات لضم المزيد من الدول هادفاً «محاصرة» الكتلة الشرقية بقيادتها السوفياتية, اوصل/الناتو الأمور الى ما يمكن وصفه مرحلة ما قبل العاصفة, عندما تم ضمّ «المانيا الغربية» في 6 ايار 1955 الى عضويته, بعدما كان ضمّ تركيا واليونان الى صفوفه.
هنا بادرت موسكو في 14 أيار 1955 (بعد أسبوع واحد على ضم ألمانيا للناتو, وكان ستالين قد توفي) الى إقامة حلف مضاد حمل اسم «حلف وارسو» ضم 7 دول إشتراكية, ما رسم مشهداً جديداً بين المُعسكريْن, تعرّضت خلاله العلاقات بينهما الى سلسلة متقلبة من البرودة والسخونة, كانت ساحات إقليمية في قارات المعمورة مسرحا لها. ربما شكّلت الأزمة الصواريخ الكوبية ستينات القرن الماضي ذروتها, تلتها الحرب الفيتنامية ولاحقا الحرب الأفغانية, دون إهمال الحروب العربية الإسرانيلية, كذلك أحداث دراماتيكية في إفريقيا وأميركا اللاتينية, وتدهورخطير في العلاقات السوفياتية ــ الصينية, الى ان ظهر «فجأة» في المشهد السوفياتي المُرتبك نسبيا, نبيّ البيريسترويكا والغلاسنوست المزيّف السوفياتي/ميخائيل غورباشوف, أشرفَ او قل نفّذ مُهمة اُوكِلت اليه بتفكيك الإتحاد السوفياتي, كما حلف وارسو ومنظومة الدول الإشتراكية, ثم تبعه لاحقا رئيس «روسي» أرعن وسكّير اسمه/ بوريس يلتسين, لم تختلف وظيفته «روسِيّا» عن وظيفة غورباشوف «سوفياتيا", جعل/ يلتسين من الإتحاد الروسي دولة من دول العالم الثالث.
سرد تاريخي طويل لكنه ضروري, للوصول الى حال الزيادة العددية المتسارعة في عضوية حلف شمال الأطلسي/ الناتو, الذي بات الآن يضم 32 دولة أخرها دول كانت «محايدة", مثل السويد قبل شهر من الآن وقبلها فنلندا. وما يزال الهدف الرئيس لصقور الناتو زيادة عضوية هذا الحلف, حتى لو كانت دول من المحيط الهادئ (رشحَ أنه فتحَ «مكتب» في اليابان), الذي قيل انه هدفه «دفاعي", وهو الذي شارك في تدمير العراق وأفغانستان وصربيا وليبيا, فيما هو آخذ بالتوسّع ورفع مساهمات الدول الأعضاء العسكرية, لتصل الى أزيد من2 % من الناتج المحلي الإجمالي.
وإذا كان لافتا ان الدول التي تم ضمها الى الناتو, كانت من دول اوروبا الشرقية, أضف اليهما السويد وفنلندا, حيث غدا بحر البلطيق «أطلسيا", وقواته على حدود روسيا مباشرة, كما كانت الحال إزاء محاولات ضم اوكرانيا الى الحلف, قبل بدء العملية العسكرية الروسية في أوكراني في 24 شباط 2022, فإن المساعي الأميركية لم تتوقف في هذاالشأن, كذلك الجهود المحمومة لصقور الناتو في أكثر من عاصمة اوروبية اطلسية لإستكمال تطويق روسيا, حتى من دول غير اوروبية جغرافيا مثل «جورجيا", ناهيك عن مولدوفا (ما يسمح بتحويل البحر الاسود الى بحيرة أطلسية حيث رومانيا وبلغاريا وتركيا), وربما لاحقا أرمينيا لتطويق روسيا من خاصرتها الجنوبية (القوقاز), بعد ان بدأ رئيس الوزراء الأرمني/ نيكول باشينيان, رحلة التقرّب الى واشنطن, وحضوره إحتفال الناتو بيوبيله"الماسي». مُتذرعا بأن روسيا خذلته بعد إجتياح أذربيجان ناغورنو كاراباخ, وإلحاقها بـ"دعم من تركيا وإسرائيل", هزيمة مُذلة بأرمينيا, بعدما تخلّى عنها باشينيان, ولم يقم بالدفاع عن أبناء جلدته في ذلك الإقليم.
هل سألتم عن علاقة إسرائيل الناتو؟.
إسرائيل أعلى بدرجة فوق تصنيف الحليف الرئيسي من خارج الناتو. ما يعني انها ستتلقى دعماً إضافياً للدفاع والطاقة وتعزيز الأعمال والاكاديميين.
kharroub@jpf.com.jo