ليس ضعيفاً خيطنُا

بقلم رمزي الغزوي 

شعرت بخسارة مريرة؛ لأنني لم أكن بين جمهور مباراة كرة القدم الجميلة التي جمعت قبل أيام الفريقين العريقين الفيصلي والوحدات. كم كنت سأكسب لو أني كنت معهم صوتاً صادحاً واحدا موحدا في هتاف بليغ قوي أغاظ ويغيظ أبناء الماء العكر وصياديه، وينحاز إلى أردن عظيم بأطيافه وألوانه كوطن نحبه ونفديه بالمهج، ولم يكن يوما إلا مع أهله في غزة وفلسطين وسندا لكل جرح عربي.

الهتافات العظيمة لامست شغاف قلبي ورقصتني بهجة. فرغم أن أصوات غرابية عديدة كانت تبث سوداويتها وشؤمها مطالبة بإلغاء المباراة في الظرف العصيب الذي نمر فيه، لأنهم يتخوفون من انقلاب المباراة إلى معركة دق خشوم و كسر عظم وطحن رؤوس، لكني لم أكن أخاف أبدا من تلك المواجهة؛ لأنني واثق في متانة وقوة مسبحتنا الوطنية.   

لدي مسبحة مطعمة بالفضة عمرها ثلاثون عاما، لها ذكريات طيبة في نفسي، لكني لا أحبذ أن أظهرها، ليس لأني أخشى عليها الانفراط حتى حين أدبك بها لا سمح الله، بل لأنك قد تقف مع أحدهم فيمد يده لا شعوريا ويأخذها. يتأملها ويداعب شراشيبها، ويتفحص حجارتها ويسألك إن كانت حقا فيروزا؟ فتهز رأسك مؤكدا، ثم يكرُّ عليها مرتين، ويغافلك ويدسها في جيبه ويمضي.

في سوق شعبية كنت أتردد فيه على باعة المسابح في بغداد. أسأل وأستفسر عن كل شاردة حتى كدت أصير خبيرا بأنواعها قادراً على أن أعرف الياقوت من السندلس من الفيروز والزبرجد وكل الأحجار الكريمة، بل وأن أفصل الألون الطبيعية عن الصناعية مهما كانت دقة صنعها، وأميز المسابح التي تفوح عطرا كلما فركت حجارتها في راحتيك، وأقدر قيمتها وثمنها.  

في ذات السوق قال لي بائع مسن متغضن الوجه وقور إن «المسبحة خيط»، أي عليك أن تنتقي خيطاً لمسبحتك يكون قوياً، فلا فائدة من مسبحة تنقطع مع أول دورة «جوبي»؛ ولهذا دعمت مسبحتي بخيط متين.

نحن في العادة نلتفت إلى حجارة المسبحة وقيمة حباتها وألوانها فقط، ولا نلتفت إلى الخيط الذي ينظم هذه الحبات، فهو متوارٍ مخفيٌّ عن الأنظار، لكنه موجود، لا نحس به إلا حين ينقطع، وعندها فإن المسبحة لن تعود مسبحة والعقد لن يعود عقداً، بل مجرد حبات متناثرة تطؤها الأقدام ويعفرها التراب.

حين يكون خيط مسبحتك ضعيفا يحق لك أن تخاف عليها. لكن حين تكون واثقا من قوة ذلك الخيط ومتانته وأصالته، لأنه الجوهر، لا يبقى عليك إلا أن تنتبه من يد الغرباء أن تخطفها منك وتغافلك وتدسها في جيبها.