"رجعت الصيفية” مبكرا !

يبدو أن الوضع تغير اليوم، والصيف لم يعد ضيفا خفيف الظل، يستبشر بقدومه محبو البحر والنسيم العليل والأفراح والرحلات.
 
منذ أيام، كشفت معاهد البحوث الفلكية أن فصل الصيف هذا العام سيبدأ يوم الخميس 20 يونيو المقبل ويكون عدد أيامه 93 يوما و15 ساعة و53 دقيقة، وينتهي بدخول الخريف في 22 سبتمبر المقبل.

في الحقيقة، قد تكون الحسابات الفلكية صحيحة، لكن التغيرات المناخية أقوى منها، فالصيف دخل علينا فجأة منذ أيام، ونحن لم نتجاوز بعد شهر أبريل الربيعي، لينذر بأشهر شديدة الحر.

ارتفعت درجات الحرارة بشكل مباغت في أغلب الدول العربية، حتى إن بعض الناس ارتدوا ملابس لم تعتد عين الناظر على مشاهدتها إلا في أيام الصيف، وبدأ آخرون يتندرون على "الدخول المباغت والقوي” للصيف، في حين استبشر عشاقه لتخلصهم من أيام البرد والكآبة والمزاج الحزين. 

وسرعان ما رأينا تدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي ومجموعات للجدل بين محبي الشتاء ومحبي الصيف.

والجدل بين الشتاء والصيف، يبدو أنه قديم جدا، يعود إلى أزمنة غابرة، فأول جدل بينهما اكتشف مع ما يعرف بأسطورة إيميش وإينتن، هي أسطورة خلق سومرية وجدت مكتوبة على ألواح من الطين تعود إلى أواخر الألفية الثالثة قبل الميلاد.

 وهي واحدة من سبع مناظرات معروفة في الأدب السومري، تندرج في فئة "الخلافات”. 

مثل: المناظرة بين الأغنام والحبوب، المناظرة بين الطيور والأسماك، الشجرة والقصب، والخلاف بين الفضة والنحاس وغيرها.

جاءت هذه المواضيع بعد عدة قرون من اختراع الكتابة في بلاد ما بين النهرين السومرية (العراق قديما). وهي نقاشات فلسفية تتناول المكانة البشرية في العالم.

تأخذ قصة الجدل بين الشتاء والصيف شكل قصيدة مسابقة بين كيانين ثقافيين حددهما الخبير العالمي في التاريخ السومري صموئيل كريمر على أنهما آلهة الغطاء النباتي وهما إيميش (الصيف) وإينتن (الشتاء). 

وتم تحديدها فيما بعد مع الظواهر الطبيعية بالصيف والشتاء على التوالي. يتجادل كل منهما حول منفعته للناس في بلاد الرافدين.

هذا الجدل استمر إلى يومنا هذا، حتى إنه ألقى بظلاله على الفنون، فهناك فنون صيفية وأخرى شتوية، وحتى الموسيقى والأغاني يتغنى بعضها بالصيف وبعضها الآخر بالشتاء، وارتبط اسم بعض المشاهير من المطربين بفصل الصيف والتزم بإصدار ألبومه السنوي مع حلول الصيف.

في 1973، غنت فيروز ، ونحن اليوم نستعير منها عنوان الأغنية، لنقول "رجعت الصيفية”، وهي التي يسخر محبوها من إقبالها على الحياة في الصيف حين تغني "حبيتك بالصيف، حبيتك بالشتي”.

وهذا العام، سجل الصيف عودته المفاجئة تزامنا مع كذبة أبريل، على أمل أن يكذب علينا هو الآخر ويمنحنا هدنة نكمل فيها ما تبقى من برودة الشتاء الذي لم يزرنا بكامل عنفوانه، بل اختفت أغلب ملامحه كما تأثرت ملامح فصول أخرى بفعل التغير المناخي.

يظل المسكن الوحيد لكارهي الصيف أنه فعلا قد يكون "الصيف ضيف” كما يؤكد المثل الشعبي التونسي "الشتاء شدة والربيع منام والصيف ضيف والخريف العام”، هذا المثل الذي كان منطقيا في تحديد الفصول ومميزاتها عندما كانت الحياة طبيعية، هادئة لا نسمع فيها تحذيرات من تغيرات مناخية مدمرة للكوكب.

لكن، يبدو أن الوضع تغير اليوم، والصيف لم يعد ضيفا خفيف الظل، يستبشر بقدومه محبو البحر والنسيم العليل والأفراح والرحلات، وإنما أصبح فصل حرارة لا تطاق وتكاليف باهظة تثقل جيوب المواطنين، فصل تعب وانقطاع للنفس، فصل أسئلة حارقة تطرحها وكالات الأنباء ومكاتب الأخبار والدراسات والمنظمات الدولية كل عام عن مستقبل الأجيال القادمة في ظل اتساع دائرة الاحتباس الحراري، دون أن تقدم حلولاالعرب  اللندنية