ملفات فلسطينية أردنية
حمادة فراعنة
الحلقة الخامسة
تمكنت الولايات المتحدة من تسليط الاهتمام بإصدار قرار الأمم المتحدة 302 الصادر عن الجمعية العامة يوم 8/12/1949، بديلاً أو تعويضاً عن قراري الأمم المتحدة: 1- قرار التقسيم وحل الدولتين 181 الصادر يوم 29/11/1947، و2- قرار حق اللاجئين المشردين بالعودة 194 الصادر يوم 11/12/1948، وبذلك تحويل العنوان والموضوع الفلسطيني من الحق السياسي بالدولة الفلسطينية وعودة اللاجئين إلى المدن والقرى التي سبق وطُردوا منها، واستعادة ممتلكاتهم منها وفيها وعليها، والتعويض على ما تعرضوا إليه من أذى وتشرد ومعاناة، تم تحويلها إلى قضية معيشية إغاثية وفق القرار 302 بتشكيل «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» في الشرق الأدنى «الأونروا»، وواضح من عنوان الوكالة وتسميتها وهدفها: إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وليس حقهم الوطني السياسي بالدولة والعودة.
باشرت الأونروا عملها في أيار 1950 في لبنان وسوريا والأردن والقدس والضفة والقطاع، نحو اللاجئين الفلسطينيين البالغ عددهم حينذاك 750 ألف لاجئ مشرد عنوة عن وطنهم، وتشمل خدماتها التعليم والرعاية الصحة والإغاثة العينية، كما ينص القرار 302 «تسهيل إعادة اللاجئين وتوطينهم وتأهيلهم اقتصادياً واجتماعياً، وتعويضهم» ،وبقي عمل ونشاط الوكالة مستمراً، حيث ساهم ذلك بتطوير حياة اللاجئين عبر التعليم المجاني، وحفظ هويتهم الوطنية الفلسطينة كلاجئين.
بعد سنوات طويلة، تضاعف أعدادهم إلى ستة ملايين مسجلين في سجلات مختلف مناطق عملياتها، ومنهم ومن مساماتهم ولدت فصائل المقاومة الفلسطينية: فتح في قطاع غزة برئاسة ياسر عرفات، وجبهة التحرير الفلسطينية في سوريا برئاسة أحمد جبريل ، وفي الأردن برز مشاركة اللاجئين لدى الأحزاب الأردنية على مختلف توجهاتها: الحزب الشيوعي، حركة القوميين العرب، حزب البعث الاشتراكي، جماعة الإخوان المسلمين.
على خلفية هذا الوعي والنضج الفلسطيني، سارت تطورات المجتمع الفلسطيني في المنفى، بما يتعارض مع مصالح ورؤية وأطماع المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، فسعت عبر الولايات المتحدة لتقليص عمل وكالة الغوث، والعمل على شح مواردها، إلى الحد أن إدارة ترامب الجمهورية حجبت أموال الدعم عن الوكالة، ومحاولات المستعمرة شيطنة عمل الوكالة وتوجيه التهم الملفقة ضدها، بعد معركة تشرين أول اكتوبر 2023، وتجاوبت إدارة الرئيس بايدن الديمقراطية مع الاتهامات الإسرائيلية، واتخذت قراراً في شهر كانون الثاني يناير بوقف تمويل الوكالة لمدة سنة حتى شهر آذار مارس 2025، على خلفية تلفيق إتهام المستعمرة الإسرائيلية لـ12 موظفاً من العاملين بالوكالة في قطاع غزة، بمشاركتهم في هجوم السابع من أكتوبر، مع إنها لم تقدم أي وثيقة دالة على مصداقية الكذب والإدعاء والتلفيق وحتى الأسماء ممن إتهمتهم، وهذا يدل بالملموس عن مدى عداء المستعمرة لوكالة الغوث، والغريب أن 18 دولة تجاوبت مع الموقف الأميركي بحجب التمويل، تراجعت بعد تبيان كذب وافتراء المستعمرة.
الأردن اعتماداً على مصالحه الوطنية، ورؤيته القومية، ولأهمية وكالة الغوث من زاويتي تحمل المسؤولية المالية لمدارس وكالة الغوث، وحفاظاً على هوية اللاجئين الوطنية، وارتباطاً بحقهم في العودة إلى بلادهم، عمل جاهداً ومبادراً لوضع وكالة الغوث في صلب اهتمام الدولة الأردنية وعمل وزارة الخارجية، وإصدار القرارات الدولية للحفاظ على مكانتها وعملها وتمويلها من قبل الدول المانحة، وحصولها على تجديد ولايتها من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة كل 3 سنوات مرة.
لقد تحولت وكالة الغوث إلى عنوان متقدم في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لما تمثله في التعبير عن مصالح اللاجئين الفلسطينيين خارج وطنهم ويصل عددهم إلى أكثر من نصف الشعب الفلسطيني، أكثر من سبعة ملايين لاجئ مقابل سبعة ملايين عربي فلسطيني مقيم صامداً على كامل خارطة فلسطين، في منطقتي الاحتلال الأولى عام 1948، والثانية عام 1967، ولأن العدد الأكبر من اللاجئين الفلسطينيين مقيمون كمواطنين لهم كامل حقوق المواطنة كأردنيين، يعمل الأردن ويستنفر للحفاظ على حقوقهم المعيشية القائمة وخاصة مدارس وكالة الغوث، وحقهم المستقبلي في العودة والتعويض.