بايدن يصِف بوتين بـِ«الجزّار».. ماذا عن «نتنياهو» إذاً؟
محمد خرّوب
في إطار دبلوماسية «الشتائم» التي يواظب عليها الرئيس الأميركي/ بايدن, إزاء نظيره الروسي/ بوتين, منذ «دشّنها» قبل عامين تقريباً, إِثر العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا, بنعت بوتين بأنه «قاتِل", ثم أتبَعها (بشكل علنِيّ بالطبع وعبر خِطابات إنتخابية تارة وأخرى في مقابلات صحافية), بأوصاف أخرى من قبيل «دكتاتور» و"مُجرم حرب» وإنه «لا يُمكنه البقاء في السلطة». وها هو مرة أخرى أثناء حديثه أمام مجموعة من الناخبين في ولاية كارولينا الشمالية وفي سياق الدعوة إلى «زيادة الضرائب على الأغنياء من أجل تخصيص المُساع?ات لأوكرانيا». يقول: تخيّلوا ما يمكننا فعله بهذا (الدخل من الضرائب المرتفعة على الأغنياء). يُمكننا ـ أضافَ ـ أن نفعل أشياء كثيرة، بما في ذلك الاهتمام أخيراً «بحماية أوكرانيا من الجزار بوتين».
بل كان بايدن قد تحدث، خلال فعالية انتخابية مُغلقة في سان فرانسيسكو بأوصاف فاقت في خروجها على الكياسة والأعراف كل الأوصاف السابقة, تجاه الرئيس الروسي بوتين، حيث قال: «لدينا أبناء عاهرات مجانين مثل هذا الرجل بوتين وغيره، وعلينا دائماً أن نقلق بشأن الصراع النووي». كذلك عندما أثار خلافاً دبلوماسياً عندما وصف الزعيم الروسي بأنه «قاتل»، وهو ما علق عليه الرئيس بوتين بـ"تمنياته بالصحة والعافية لبايدن»، مُشيراً بوتين في غمزة «محتشمة ولافتة في الآن عينه إلى أن «تقييم الآخرين يُشبه النظر في المرآة».
هكذا نعتَ بايدن الرئيس الروسي, الذي فاز قبل أسبوعين, بتفويض شعبي لولاية جديدة تمتد لستة أعوام مقبلات, بنسبة 88% هي الأعلى في الانتخابات الرئاسية, في روسيا ما بعد الاتحاد السوفيتي. فيما تُساور الشكوك بايدن نفسه كما فريق حملته الإنتخابية, حول مدى تمكّنه من «تجديد» بقائه في البيت الأبيض, على ضوء عزوف الناخبين الأميركيين من أصول عربية وإسلامية وشبابية, عن التصويت لصالحه, جراء شراكته المُباشرة في حرب الإبادة والتجويع والتدمير, التي يشنها جيش الفاشية الصهيونية على قطاع غزة, منذ الثامن من أكتوبر الماضي حتى الآن.
موسكو تلقّت شتيمة بايدن «الجديدة» بغضب على النحو الذي جاء في مقابلة صحافية أجراها ناطق الكرملين الرسمي/ بيسكوف مع قناة تلفزيونية روسية قال فيها: إن التصريحات «الفظة» للرئيس الأميركي ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «تُهين الولايات المتحدة نفسها». مُضيفاً.."أن بايدن يستغل ببساطة صورة (راعي البقر في هوليوود) من أجل السياسة الداخلية الأميركية». تابعَ/بيسكوف: «إن مثل هذه التصريحات الفظة من فم رئيس دولة الولايات المتحدة الأميركية, من غير المُرجح أن تُسيء بطريقة أو بأخرى لرئيس دولة أخرى، لا سيما الرئيس بوتين. لكن?ا وصمة عار كبيرة على الولايات المتحدة نفسها. لافتاً بيسكوف أنه، كَـ"مُواطن»، يُريد مِن مُساعديه أن يقوموا «بالبحث عن بيان واحد مُسيء» من بوتين ضد بايدن، مؤكداً عدم وجود ذلك.
نحن إذاً أمام تدهور خطير في العلاقات الأميركية الروسية, تزيد من خطورته الفشل المُدوي لنظام زيلينسكي وجيشه في هجومه المُضاد/ 4 حزيران الماضي, الذي حشد له المعسكر الغربي بكل أطرافه وتحالفاته وعلى نحو مُنفرد أيضاً من معظم دوله, وبخاصة حلف الناتو والإتحاد الأوروبي, تتقدمهم فرنسا ماكرون وألمانيا شولتس, ودائماً بريطانيا ريشي سوناك الذي يوشك على الخروج من 10/داوننغ ستريت, بعدما حصد فشلاً في الوظيفة التي أسندت إليه بعد إستقالة ليز تراس, التي خلَّفت هي الأخرى المُهرج/ بوريس جونسن. الأمر الذي دفع معظم قادة المُعسكر ?لغربي وعلى رأسهم الولايات المتحدة إلى إطلاق تصريحات مُتشنِّجة ومأزومة, من قبيل أننا «لن» نسمح لروسيا بالإنتصار, على ما قال الجنرال أوستن وزير الدفاع الأميركي, كما ستولتنبرغ/أمين عام الناتو, ووزيرة خارجية ألمانيا/بيربوك, وخصوصاً أنتوني بلينكن الذي اعتبر أن إنضمام السويد وفنلندا يُشكل «هزيمة استراتيجية لروسيا».
أين من هناك إذاً؟, حيث تتقدم دبلوماسية الشتائم على دبلوماسية الحوار والسلام, وسط مناخات وأجواء دولية تشي بأن الإمبراطورية الأميركية التي تزعم الدفاع عن النظام الدولي المبني «على القواعد» منذ إنتهاء الحرب الباردة, يوشِك على السقوط, بسبب الغطرسة الأميركية وأسطورة «الإستثنائية الأميركية", ودائماً في المقولة العنصرية عن «تفوّق الرجل الأبيض", ناهيك عن نزوع الإدارات الأميركية المُتعاقبة إلى «عسكرة» العلاقات الدولية, والتمسّك بسلاح العقوبات والحصار تحت طائلة الغزو وشن الحروب, وإزدراء القانون الدولي وشرعة حقوق الإ?سان ودعم الأنظمة المارقة وفي مقدمتها النظام العنصري الإستيطاني الفاشي الصهيوني, وتوفير كل أنواع الدعم والمُساندة الساسية والإعلامية والعسكرية والبلوماسية له, كما يحدث الآن في قطاع غزَّة المنكوب, فإذا كان الرئيس الروسي/بوتين في نظر بايدن «جزاراً» كما قال (وأحسب أن كثيرين في دول العالم لا يُشاركونه هذه الشتيمة الفاقدة الكياسة), فما هو الوصف الذي يستطيع فخامته إطلاقه على مُجرم الحرب/نتنياهو, وهو مَن سفك (وما يزال) دماء أزيد من 33 ألف طفل وامرأة ومُسن فلسطيني غزِّي؟, ناهيك عن 80 ألفاً من المُصابين, يُضاف إليهم?عشرات المفقودين ومَن هم تحت الأنقاض؟.