هذا ليس وقت فرد العضلات

نسيم عنيزات

كنا قد حذرنا منذ اندلاع الحرب على غزة من اندفاع الشارع وارتفاع سقف الهتافات والمطالب ذات الاثمان الغالية .

وقلنا اكثر من مرة، علينا ان نضبط الإيقاع وان نجري حالة دوران والتقدم خطوة إلى الأمام لقيادة الشارع، لا ان نكون خلفه .
فكلنا مع غزة وفلسطين بكل عواطفنا ومشاعرنا وارواحنا واموالنا وهذه شهادة يشهد لها القاصي والداني، والعدو قبل الصديق، كما تشهد لها افعالنا واقوالنا لكن ان يستغل البعض الحدث لتصفية حساباته او لفرد عضلاته او لتحقيق أهداف شخصية لتأكيد وجوده على الساحة وإثبات قوته، مستغلا عواطف الناس ومشاعرها على حساب الدولة فهذا هو الغريب والمستهجن.

فما حدث في الأيام الماضية من الخروج عن المنطق في سقف الهتافات والتخوين، وكأننا المسؤولون عما يجري في غزة، او اننا الوحيدون المطالبون بإعلان الحرب ووضع اليد على الزناد بعد ان نملأ الأسلحة بالذخيرة ليس له إلا معنى واحد . وهو ان مصلحة الأردن ليس لها اعتبار لدى البعض ويسعون إلى زعزعة أمنه واستقراره بقصد او دون قصد .

فهم يعلمون بقناعة انفسهم بأننا وحدنا غير قادرين على عمل المزيد وقد قدمنا الكثير في حين أن البعض ما زال يجلس على الشرفات وفي مقاعد المتفرجين.

لا بل ان بعض من يجب ان يكون في الجبهة وفي ساحات القتال وتخفيف الضغط على غزة وأهلها يعمل على تشكيل قوة عسكرية لادارة غزة ويتماهى مع المخطط الصهيوني لاستنساخ ليبيا ثانية وغيرها من الدول العربية واشعال الفتن والحروب الداخلية مستقبلا .

نعم هذا هو مخطط نتن ياهو لليوم التالي للحرب بأن يجعل غزة ساحة لصراعات داخلية بين القوى الفلسطينية المختلفة .

ففي الوقت الذي تغص فيه الشوارع الأردنية من غربها إلى شرقها ومن جنوبها إلى شمالها بالمظاهرات والمسيرات فوق صفيح ملتهب حيث يتقاطع الجميع على هدف وموقف واحد وهو وقف الحرب وإدخال المساعدات وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، تتنطح زمرة إلى تغيير البوصلة وعكس الاتجاه إلى الداخل، لا لخدمة فلسطين وأهلها بل لفرد عضلاتها وفرض ايقاعها سعيا خلف اوهامها والجلوس على الطاولة كلاعب رئيسي.

لأنها تعلم بأن الفوضى وزعزعة استقرارنا وامننا لا قدر الله لا يخدم فلسطين ولا القطاع بل تصب في خدمة دولة الاحتلال ورئيس حكومتها الذي يرى ان مشكلة الفلسطينيين يجب ان تحل على حساب الاردن .

فقضيتتا، وهمنا جميعا الان، هو وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ضمن معادلة تحافظ على الداخل، وتضمن إيصال الرسالة إلى العالم بأن الشارع الاردني يغلي ويرفض الصمت الدولي المخزي، على ما يجري في غزة من إبادة جماعية، وحصار خانق يخالف حميع المعاهدات والمواثيق الدولية، والقيم الإنسانية والاخلاقية .

فاي مظاهرة او مسيرة لها ادبيات وتحكمها قوانين وتشريعات، فهذا ليس وقت فرد العضلات او تحويل وعكس الاتجاهات، لأننا عندها سنخسر جميعا لا سمح الله، وتضيع القضية وحقوق الفلسطينيين ونبكي ساعتها على ما صنعت ايدينا.

فالعودة عن الخطأ فضيلة وتحكيم العقل وتغليب المصلحة الوطنية، هو الطريق الوحيد ليبقى الأردن صامدا في وجه التحديات وقلعة قوية في وجه المؤمرات .

خاصة وان الأردنيين لم يمنحوا احدا وكالة او شيكا على بياض ليتحدثوا باسمهم وان يلقوا ببلدهم إلى التهلكة لا سمح الله.