في ذكرى يوم الأرض..نصف قطاع غزة نازحون

تتزامن الذكرى الـ48 ليوم الأرض، مع عدوان إسرائيلي على قطاع غزة، أدى إلى نزوح قرابة نصف سكانه.

وبدأت قوات الاحتلال بالعدوان على قطاع غزة في 7 تشرين الأول الماضي، وأجبرت نحو نصف سكانه على النزوح شمالا.

وكان وزيرا الأمن القومي والمالية الإسرائيليان، إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، أعلنا دعمهما لـ"التهجير الطوعي للفلسطينيين" من قطاع غزة.

ووصلت حصيلة العدوان الإسرائيلي على القطاع المحاصر إلى 32623 شهيدا و75092 مصابا، وفق وزارة الصحة في القطاع.

ويصادف اليوم، الثلاثين من آذار، الذكرى الـ48 ليوم الأرض، المناسبة التي أصبحت عيدا للأرض، والدفاع عنها منذ عام 1976، إذ استُشهد في تلك الهبّة 6 فلسطينيين، وجُرح 49 واعتُقل أكثر من 300 آخرين.

ومن المقرّر أن يحيي الفلسطينيون هذه الذكرى، ضمن فعاليات مقرّة وطنيا، في محافظات فلسطينية، دعت إليها مؤسسات الأسرى.

وجاء يوم الأرض بعد هبّة الجماهير الفلسطينية في أراضي الـ48 عام 1976، معلنة عن صرخة احتجاجية في وجه سياسات المصادرة والاقتلاع والتهويد التي انتهجتها إسرائيل، وتمخضت عن هذه الهبّة ذكرى تاريخية سميت بـ"يوم الأرض".

يشار إلى أن الشرارة التي أشعلت الجماهير ليوم الأرض، كانت بإقدام سلطات الاحتلال الإسرائيلي على الاستيلاء على نحو 21 ألف دونم من أراضي عدد من القرى الفلسطينية في الجليل ومنها عرابة، وسخنين، ودير حنا، وعرب السواعد وغيرها في عام 1976؛ وذلك لتخصيصها لإقامة مزيد من المستوطنات في نطاق خطة تهويد الجليل وتفريغه من سكانه العرب، وهو ما أدى إلى إعلان الفلسطينيين في الداخل وخصوصا المتضررين المباشرين الإضراب العام في يوم الثلاثين من آذار.

وفي هذا اليوم، أضربت مدن وقرى الجليل والمثلث إضرابا عاما، وحاولت سلطات الاحتلال كسر الإضراب بالقوة، فأدى ذلك إلى مواجهات بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال، كان أعنفها في قرى سخنين، وعرابة، ودير حنا.

وتفيد معطيات لجنة المتابعة العليا-الهيئة القيادية العليا لفلسطينيي عام 1948، بأن إسرائيل استولت على نحو مليون ونصف المليون دونم منذ احتلالها لفلسطين حتى عام 1976، ولم يبقَ بحوزتهم سوى نحو نصف مليون دونم، إضافة إلى ملايين الدونمات من أملاك اللاجئين وأراضي المشاع العامة.

وقد بذلت إسرائيل جهودا كبيرة لكسر إرادة القيادات الفلسطينية ومنع انطلاق فعاليات نضالية، لكن رؤساء المجالس البلدية العربية أعلنوا عن الإضراب العام في اجتماع يوم 25 آذار 1976 في مدينة شفا عمرو.

وجاء قرار لجنة الدفاع عن الأراضي العربية التي انبثقت عن لجان محلية في إطار اجتماع عام أجري في مدينة الناصرة في 18 تشرين الأول 1975، بإعلان الإضراب الشامل، ردا مباشرا على الاستيلاء على أراضي (المثلث) ومنع الفلسطينيين من دخول المنطقة في تاريخ 13 شباط 1976.

ويشير باحثون إلى أن الاستيلاء على الأراضي بهدف التهويد بلغ ذروته في مطلع 1976، بذرائع مختلفة تجد لها مسوغات في "القانون"، و"خدمة الصالح العام"، أو في تفعيل ما يعرف بـ"قوانين الطوارئ" الانتدابية.

وكانت أرض المثلث التي تبلغ مساحتها 60 ألف دونم، تستخدم في السنوات 1942-1944 منطقة تدريبات عسكرية للجيش البريطاني في أثناء الحرب العالمية الثانية، مقابل دفع بدل استئجار لأصحاب الأرض، وبعد عام 1948 أبقت إسرائيل على الوضع نفسه الذي كان سائدا في عهد الانتداب البريطاني، إذ كان يسمح للفلسطينيين بالوصول إلى أراضيهم لفلاحتها بتصاريح خاصة.

وفي عام 1956 أغلقت سلطات الاحتلال المنطقة بهدف إقامة مخططات بناء مستوطنات يهودية ضمن مشروع تهويد الجليل.

كما كان صدور وثيقة (كيننغ) في 1 آذار 1976 عن متصرف لواء الشمال في وزارة الداخلية الإسرائيلية (يسرائيل كيننغ) وثيقة سرية، سمّيت فيما بعد باسمه، والتي تستهدف إفراغ الجليل من أهله الفلسطينيين والاستيلاء على أراضيهم وتهويدها، وهي واحدة من مسببات الاتجاه نحو الإضراب.

ودعت وثيقة (كيننغ) في طياتها إلى تقليل نسبة الفلسطينيين في منطقتي الجليل والنقب، وذلك بالاستيلاء على ما تبقى لديهم من أراضٍ زراعية وبمحاصرتهم اقتصاديا واجتماعيا، وبتوجيه المهاجرين اليهود الجدد إلى الاستيطان في منطقتي الجليل والنقب.

وركزت على تكثيف الاستيطان اليهودي في شمال الجليل، وشددت الوثيقة على ضرورة التضييق الاقتصادي على العائلات العربية، عبر ملاحقتها بالضرائب، وإعطاء الأولوية لليهود في فرص العمل، وكذلك تخفيض نسبة العرب في التحصيل العلمي، وتشجيع التوجهات المهنية لدى التلاميذ، وتسهيل هجرة الشباب والطلاب العرب إلى خارج البلاد، ومنع عودتهم إليها.

وكان الرد الإسرائيلي عسكريا شديدا على هبّة "يوم الأرض"، باعتبارها أول تحدٍ ولأول مرة بعد احتلال الأرض الفلسطينية عام 1948، إذ دخلت قوات معززة من جيش الاحتلال مدعومة بالدبابات والمجنزرات إلى القرى الفلسطينية وأعادت احتلالها، موقعة شهداء وجرحى بين صفوف المدنيين العُزل، فكانت حصيلة الصدامات استشهاد 6 فلسطينيين، 4 منهم قُتلوا برصاص الجيش واثنان برصاص الشرطة.

ورغم مطالبة فلسطينيي عام 1948، إسرائيل بإقامة لجنة للتحقيق في قتل الجيش والشرطة مدنيين عُزل يحملون الجنسية الإسرائيلية إلا أن مطالبهم قوبلت بالرفض التام، بادعاء أن الجيش واجه قوى معادية.

وسعت إسرائيل إلى إفشال الإضراب، لما يحمله من دلالات تتعلق بسلوك الأقلية الفلسطينية كأقلية قومية حيال قضية وطنية ومدنية من الدرجة الأولى، ألا وهي قضية الأرض، وعقدت الحكومة الإسرائيلية اجتماعا استمر لأربع ساعات، تقرر فيه تعزيز قوات الشرطة في القرى والمدن الفلسطينية، للرد على الإضراب والتظاهرات.

كما قامت قيادة اتحاد العمال الإسرائيلي "الهستدروت" بتحذير العمال وتهديدهم باتخاذ إجراءات انتقامية ضدهم، وقرر أرباب العمل في اجتماع لهم في حيفا طرد العمال الفلسطينيين من عملهم إذا شاركوا في الإضراب العام في يوم الأرض. كذلك بعث المدير العام لوزارة المعارف بتهديد إلى المدارس الفلسطينية لمنعها من المشاركة في الإضراب.

ورغم مرور (48 عاما) على هذه الذكرى، لم يملّ فلسطينيو أراضي عام 1948 الذين أصبح عددهم نحو 1.3 مليون نسمة بعدما كانوا 150 ألف نسمة فقط عام 1948، من إحياء ذكرى يوم الأرض، الذي يجمعون على أنه أبرز أيامهم النضالية، وأنه انعطافة تاريخية في مسيرة بقائهم وانتمائهم وهويتهم منذ نكبة 1948، تأكيدا على تشبثهم بوطنهم وأرضهم.

يذكر أن إسرائيل استولت خلال الأعوام ما بين عام 1948و1972 على أكثر من مليون دونم من أراضي القرى الفلسطينية في الجليل والمثلث، إضافة إلى ملايين الدونمات الأخرى من الأراضي التي استولت عليها بعد سلسلة المجازر المروّعة وعمليات الإبعاد القسري التي مورست بحق الفلسطينيين عام 1948.

ويعدّ يوم الأرض نقطة تحول في العلاقة بين (سلطة الاحتلال) وفلسطينيي عام 1948، إذ إن إسرائيل أرادت بردها أن تثبت للجماهير الساخطة من هم "أسياد الأرض"، وكان هذا التحدي العلني الجماهيري الأول للكيان المحتل من قبل الجماهير الساخطة، باعتقاد العديد أن يوم الأرض ساهم بشكل مباشر في توحيد وحدة الصف الفلسطيني وتكاتفه في الداخل على المستوى الجماهيري، بعد أن كان في العديد من الأحيان السابقة نضالا فرديا لأشخاص فرادى أو لمجموعات محدودة.

كما كان هذا الردّ بمثابة صفعة وجرس إيقاظ لكل فلسطيني قَبِل بالاحتلال الإسرائيلي عام 1948.

وتشير أحدث مسوحات الجهاز المركزي للإحصاء، إلى أن مساحات الأرض التي استولى عليها الاحتلال الاسرائيلي عام 2023 بلغ 50.526 دونما، مقارنة بحوالي 26 ألف دونم خلال عام 2022.

وقد أصدر الاحتلال خلال عام 2023، 32 أمرا بوضع اليد على حوالي 619 دونما، و4 أوامر استملاك لحوالي 433 دونما، وأمرَي إعلان أراضي دولة لحوالي 515 دونما، بالإضافة إلى 4 أوامر تعديل حدود محميات طبيعية استولت من خلالها على 48,959 دونما، وذلك ضمن السياسة الممنهجة والمستمرة للسيطرة على جميع أراضي الفلسطينيين، وحرمانهم من استغلال مواردهم الطبيعية.