تيسير السبول.. 51 عاماً على الرحيل !!

جفرا نيوز - بقلم محمد داودية 

أثرى الشاعر تيسير السبول الحركة الثقافية الأردنية والعربية، إلى جانب دوره في إحداث حراك ثقافي تفاعلي أسهم في اكتشاف ورعاية المبدعين.

وتيسير السبول نموذج بارز شديد الحساسية، على المثقف المنتمي لأمته، الذي يتفاعل مع قضاياها ويؤثر فيها.
أقام تيسير بيننا قليلا، أليس هو القائل: الأحِبَّاءُ قليلاً ما أقاموا.

فقد مضى صاحب (أحزان صحراوية) و(أنت منذ اليوم)، مضيئاً كالشهاب عن 34 عاماً، (1939-1973)، لكنه أصبح من أعلام الأدب العربي، وترك علامة شديدة اللمعان والجذب في الحياة الثقافية الأردنية والعربية.

وأكثر من كتب عن تيسير بغزارة وبإنصاف، الدكتور سليمان القوابعة صديق طفولته وشبابه، الذي كشف عن حجم القلق الإنساني والرهافة المفرطة وروح الثورة والاحتجاج، التي ميزت تيسيراً، كما أطلعنا على مساره المتمرد القلق.

تأثر المثقف الموسوعي غزير الإنتاج تيسير السبول بقراءاته لأَعلام الصوفية: ابن عربي والحلاج والسهروردي والنفّري. كما تأثر بالكُتاب والفلاسفة الوجوديين: سارتر وسيمون دي بفوار. وبالكُتاب والشعراء المتمردين: كولن ويلسون والبير كامو ولوركا ومايكوفسكي.

زعزعته هزيمةُ أمّته في حزيران سنة 1967، فهجر الكتابةَ التي مارس كلَّ فنونها وأشكالها: الروايةَ والشعرَ والقصةَ القصيرة والنقد والتمثيلية والمقالة والدراسة.

كتب عنه العديد من النقاد والشعراء والدارسين :

* الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل: تيسير السبول من الشعر إلى الرواية.

* الدكتور إبراهيم السعافين: الرواية في الأردن.

* الأستاذ الدكتور عبد الفتاح النجار: تيسير السبول شاعراً مجدداً.

* الشاعر عز الدين المناصرة: جمرة النص الشعري.

* الأستاذ سليمان الأزرعي: تيسير السبول- الشاعر القتيل.

* الأستاذ فايز محمود: تيسير السبول العربي الغريب.

* الأستاذ فوزي الخطبا: أمواج على الأثير- دراسة في أدب تيسير السبول غير المنشور.

* الدكتورة نسرين خاوري: ترجمت جميع قصائد ديوان احزان صحراوية إلى الإنجليزية ونشرتها دار نشر جامعة ولاية ميشيغن في كتاب desert sorrows poems .

* مجموعة شهادات: دم على رغيف الجنوبي- قدمها عدد من الأدباء منهم - سليمان عرار، هند أبو الشعر، فايز محمود وعدي مدانات.

غاب تيسر منذ 51 سنة وما تزال ذكراه تضطرم وتتوهج.

كنتُ أول من نشر قصيدته «بلا عنوان». فقد راجعت مع شقيقه جودت السبول أوراقَه، فلاحظت وجود هذه القصيدة، التي لمّا بحثت، وجدتُ أنها غيرَ منشورة فنشرتُها في صحيفة الأخبار مكان مقالتي اليومية «عرض حال» بما فيها من اختلال وزن في احدى كلماتها يبدو أنه لم يتسنَ للشاعر مراجعتها:

(بلا عنوان ...

أنا يا صديقي

أسيرُ معَ الوهمِ، أدري،

أُيَمّمُ نحو تخوم النهاية

نبيّاً غريبَ الملامح أمضي

إلى غير غايةْ

سأسقطُ، لا بدّ يملأ جوفي الظلامْ

نبيّاً قتيلاً، وما فاهَ بعدُ بآيهْ

وأنت صديقي، وأعلمُ... لكن

قد اختلفت بي طريقي

سأسقط، لا بدّ، أسقطُ..

يملأُ جوفي الظلامْ

عذيرك، بعدُ، إذا ما التقينا

بذات منامْ

تفيقُ الغداةَ، وتنسى

لكم أنتَ تنسى

عليك السلامْ).

تيسير شاعر اختار نهايته و غذّ الخطى اليها فكلمات هذه القصيدة تشي بالكثير عن تيسير: الوهم، تخوم النهاية، سأسقط (وردت 3 مرات)، يملأ جوفي الظلام (وردت مرتين)، نبيا قتيلا، وما فاه بعد بآية.

أنا شاهد على هزيمة حزيران 1967 التي زلزلت الأمة كلها وحطمت آمال جيلنا كله وزعزعت وأطاحت تيسير السبول.

2024 هو العام الواحد والخمسون على رحيل معلم الأجيال تيسير السبول. وهي دعوة إلى إنصافه والاحتفاء بدوره وتراثه وإبراز مكانته الكبيرة في حياتنا الثقافية.