أسرار محل قديم في عمّان

جفرا نيوز -  محمود كريشان

وسط المدينة لا يزال يحتفظ بأسراره؛ لذا نحاول إعادة اكتشاف المزيد من المعالم التي رافقت العاصمة منذ ان كانت في أول نوارها فوق شجرة الوطن.. نمضي بخطى حالمة من شارع فيصل «شارع المال والأعمال»، الذي استعاد شيئًا من نشاطه وحراكه، ونقف نتأمل مبنى تراثيًا جميلًا ليصيبنا الحنين للعودة إلى الماضي التليد، ونستنشق عبق عمان زمان، في أحد أعرق متاجرها الذي لا يزال يتشبث بإرثه وتقاليده.. مقتنياتها وادواتها التراثية، وتقرأ في جدرانها تاريخا طويلًا وسنوات عديدة وهي توزع الأناقة والعراقة على وجهاء المدينة وأهلها.

في وسط البلد، يظهر أمامك على ناصية شارع فيصل القديم محل على هيئة «آلة زمنية»، في محاولة من صاحب المحل لضبط إيقاع الزمن مع عشرات الساعات والمنبهات التراثية العريقة، يحتفظ بها صاحب المتجر ..«فاترينات» زجاجية عتيقة مكتب تفوح منه رائحة الثقافة.. عندها نتوقف وننتشي بسرد إحدى روايات العاصمة، وأبرز معالمها الخالدة.

«الذهبي للساعات».. حكاية الساعات الفخمة، التي كانت تزين معاصم وجهاء عمان وكبارها من رجالات الدولة وشخصيات المال والاستثمار.. هذا المتجر والمملوك لرجل الأعمال الأنيق عمران عبداللطيف الذهبي، الرجل القنوع إلى درجة مذهلة، والأمين لدرجة تعجز عن الكلام، ويعتبر أقدم محل لتصليح وبيع الساعات في وسط المدينة، الذي يحترف ويعمل فيه أيضا، «فني ساعات».. عريق وماهر «ابويحيى»، ومهنته منذ عقود بالأركان العتيقة للمتجر العريق، الذي يضيق بما يحمل، ويعرض ساعات متنوّعة منها العتيق والحديث، والزمن فيه يمرّ بدقة متناهية وبحسابات تخضع مرجعيتها لعقارب المئات من الساعات اليدوية والجدارية التراثية القابعة فيه.

مؤسس المتجر المرحوم عبداللطيف الذهبي، والد رئيس الوزراء الأسبق المهندس نادر باشا الذهبي، وقد تأسس في مطلع الأربعينيات من القرن الماضي، ويعمل حتى يومنا هذا بذات التفاصيل والدقة والأمانة والمهارة، وذات الساعات من أشهر الماركات العالمية الأصلية.

الذهبي للساعات.. فبمجرد أن تطأ قدمك هذا المحل، ستشعر وكأنك عدت بالزمن لأكثر من (75) عاما، أو خارجا للتو من فيلم عربى قديم بالأبيض والأسود، حيث لا يزال هذا المتجر قائما فى ساحة الملك فيصل بعمان، وهو يمتد لسنوات طويلة، وقد حظيت العائلة «الذهبي» بثقة الناس وبالشهرة الواسعة فى الأردن والسعودية ودول الجوار وهو لا يبيع غير الساعات السويسرية من أشهر الماركات.

في هذا المتجر يعمل السبعيني «ابويحيى» منذ سنوات طويلة، حيث يقوم بتصليح جميع أنواع الساعات بمنتهى الدقة والمهارة، وعادة ما يتوافد الزبائن على المحل من أجل إصلاح ساعاتهم القديمة التي ورثوها أيضًا عن آبائهم وأجدادهم وغالبية زبائن المحل من الطبقات العليا.. الساعاتي «أبويحيى» اختصر علاقته بالمهنة بالقول «أحببتها لأنها هوايتي بالدرجة الأولى، والمهنة جميلة، تحتاج لصفاء الذهن، والتفكير، والتركيز، هي صنعة جميلة ليست بالسهلة، لكنها ممتعة كثيرا وأن أفضل صوت يعشقه هو صوت الساعات التي ينغمس في إصلاحها بورشته، ولا يقوم من مكانه إلا بعد أن يسمع صوت دقاتها مجددا معلنا بعثها من جديد».

وقبل ان نختم حديثنا العابق بذكريات عمان القديمة، بقي أن نقول: عائلة الذهبي العمانية العريقة، تمتلك أحد أكبر مصانع الساعات في سويسرا منذ الخمسينيات، وينتج المصنع ساعات «فيلكا» الشهيرة، ويديره حتى يومنا هذا شقيقهم رجل الأعمال المقيم في جنيف منذ سنوات طويلة السيد مازن الذهبي. اذًا.. عمان حكاية معتقة، مفعمة بالحضارة والتاريخ.. تتكىء على عراقتها وتمضي نحو المستقبل المشرق بإذن الله.

Kreshan35@yahoo.com