اثر معركة طوفان الاقصى على السياسة الاردنية


جفرا نيوز- كتب: المهندس عبدالله امجد ابوزيد
منذ بدء معركة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تعيش الأراضي الفلسطينية المحتلة حالة من الحرب المفتوحة بين الاحتلال الإسرائيلي وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، التي تقود العملية العسكرية من قطاع غزة. وقد أسفرت المعركة حتى الآن عن استشهاد  ما يقارب 30000 فلسطيني، وإصابة الآلاف، وتدمير البنية التحتية والمنشآت المدنية في القطاع، بالإضافة إلى مقتل وإصابة الاف الإسرائيليين بفعل الصواريخ التي تطلقها حماس على المدن والمستوطنات الإسرائيلية و المعارك التي تقودها المقاومة في الميدان 

هذه المعركة لها تأثيرات واسعة النطاق على الصعيد الإقليمي والدولي، فهي تعيد رسم خريطة الصراع في الشرق الأوسط، وتفتح آفاقا جديدة للتحالفات والمواجهات بين الدول والقوى المختلفة. ومن بين الدول التي تتأثر بشكل مباشر أو غير مباشر بمجريات المعركة، تبرز الأردن، الذي يربطه بفلسطين علاقات تاريخية وجغرافية وديمغرافية ودينية وسياسية واقتصادية. فكيف ينظر الأردن إلى معركة طوفان الأقصى؟ وما هي التداعيات السياسية والاقتصادية لها على الأردن؟ وما هي السيناريوهات المحتملة للمستقبل؟

موقف الأردن من معركة طوفان الأقصى

يمكن تلخيص موقف الأردن من معركة طوفان الأقصى بأنه موقف متوازن ومعقد، يحاول أن يراعي المصالح الوطنية والإقليمية والدولية للمملكة، ويحافظ على العلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف مع الدول والقوى المؤثرة في الشأن الفلسطيني. ويتجلى هذا الموقف في ثلاثة مستويات رئيسية:

- المستوى الرسمي: يتمثل في موقف الحكومة والمؤسسات الرسمية والأحزاب السياسية الموالية لها، والذي يعبر عن التزام الأردن بحل الدولتين كأساس لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، ودعم الشعب الفلسطيني في نضاله المشروع للحصول على حقوقه الوطنية والإنسانية، والمحافظة على الوضع القائم في القدس والمسجد الأقصى، والذي ينص على أن الأردن هو الوصي الشرعي والتاريخي على المقدسات الإسلامية والمسيحية في المدينة. ويتضمن هذا الموقف أيضا التأكيد على ضرورة وقف العدوان الإسرائيلي على غزة والضفة الغربية والقدس، والدعوة إلى تدخل دولي فاعل لإنهاء الحرب وإحياء عملية السلام، وتقديم المساعدات الإنسانية والطبية والمالية للفلسطينيين. ويندرج ضمن هذا المستوى أيضا التنسيق والتشاور مع الدول العربية والإسلامية والدولية المعنية بالقضية الفلسطينية، والمشاركة في المبادرات والمؤتمرات والاجتماعات التي تهدف إلى إيجاد حلول سياسية ودبلوماسية للأزمة.

- المستوى الشعبي: يتمثل في موقف الشارع الأردني والنخبة السياسية والمجتمعية والإعلامية المعارضة للحكومة، والذي يعبر عن تضامن واسع وعميق مع الشعب الفلسطيني وحركة حماس، وإعجاب بالمقاومة العسكرية والشعبية التي تقدمها في وجه الاحتلال. ويتضمن هذا الموقف أيضا مطالبة بقطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع إسرائيل، وإلغاء معاهدة السلام التي وقعها الأردن معها عام 1994، وإنهاء اتفاقية استيراد الغاز الإسرائيلي، والغاء اتفاقية المياه مقابل الطاقة ، وايقاف تصدير الخضروات و اي منتجات للعدو ، والتحرك العسكري والسياسي لدعم الفلسطينيين وفتح جبهة شرقية ضد الاحتلال. ويندرج ضمن هذا المستوى أيضا تنظيم مظاهرات ووقفات احتجاجية وحملات تضامنية وتبرعات خيرية وإعلامية لصالح القضية الفلسطينية.

- المستوى الوسطي: يتمثل في موقف بعض الشخصيات والقوى السياسية والمجتمعية والإعلامية التي - تحاول أن تجمع بين الموقفين الرسمي والشعبي، وتقدم رؤية متوسطة ومعتدلة وواقعية للمعركة وآثارها، وتدعو إلى التضامن مع الفلسطينيين دون الانجرار إلى العنف أو المغامرة أو الانقطاع عن العالم. وتنتقد الاحتلال الإسرائيلي وسياساته العدوانية والاستيطانية والتهويدية، وتطالب بحل عادل وشامل للقضية الفلسطينية يضمن حقوق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال والعودة والتعبير عن الذات. وتؤكد على دور الأردن الإيجابي والمسؤول في دعم القضية الفلسطينية والحفاظ على الوضع القائم في القدس والمسجد الأقصى، وتشيد بالجهود المبذولة من قبل الحكومة والملك في هذا الصدد. وترى أن الحوار والتفاوض والتعاون الدولي هي السبيل الأمثل لتحقيق السلام والأمن والاستقرار في المنطقة.

 التداعيات السياسية والاقتصادية لمعركة طوفان الأقصى على الأردن

لا شك أن معركة طوفان الأقصى لها تداعيات سياسية واقتصادية على الأردن، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي. ومن بين هذه التداعيات ما يلي:

- على المستوى الداخلي، تعززت الوحدة الوطنية بين الأردنيين حول القضية الفلسطينية، وتجلى ذلك في التعبيرات الشعبية والرسمية للتضامن والدعم للشعب الفلسطيني وحركة حماس. كما تحسنت العلاقة بين الحكومة والمعارضة، وتراجعت حدة الاحتجاجات والمطالبات الاجتماعية والاقتصادية، في ظل الأجواء الوطنية والإنسانية التي خلقتها المعركة. وفي الوقت نفسه، تزايدت الضغوط على الحكومة لإعادة النظر في العلاقات مع إسرائيل، وإلغاء معاهدة السلام واتفاقية الغاز وغيرها من الاتفاقات المثيرة للجدل، والتي يعتبرها كثير من الأردنيين خيانة للقضية الفلسطينية وتنازلا عن الحقوق والمصالح الوطنية.

- على المستوى الخارجي، تأثر الأردن بالتغيرات الإقليمية والدولية التي أحدثتها المعركة، والتي تمثلت في تحول موازين القوى والتحالفات والمواقف بين الدول والقوى المعنية بالشأن الفلسطيني. فمن جهة، شهد الأردن تحسنا في العلاقات مع بعض الدول العربية والإسلامية التي دعمت المقاومة الفلسطينية وأدانت العدوان الإسرائيلي، مثل تركيا وقطر وإيران والسودان والجزائر والمغرب وغيرها. ومن جهة أخرى، واجه الأردن تحديات في العلاقات مع بعض الدول العربية والغربية التي تبنت مواقف متساهلة أو متواطئة مع إسرائيل، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والسعودية والإمارات والبحرين وغيرها. وهذا يستوجب من الأردن موازنة دقيقة بين المصالح والقيم والمبادئ في السياسة الخارجية، والحفاظ على العلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف مع الدول والقوى المختلفة.

السيناريوهات المحتملة للمستقبل

في ضوء ما سبق، يمكن توقع ثلاثة سيناريوهات محتملة للمستقبل، تبعا لتطورات معركة طوفان الأقصى ونتائجها:

- السيناريو الأول: استمرار المعركة وتصعيدها إلى حرب شاملة تشمل الضفة الغربية والقدس والمناطق المحتلة عام 1948 والجبهات الخارجية مع لبنان وسوريا والأردن ومصر. هذا السيناريو سيضع الأردن في موقف صعب ومحرج، حيث سيتعرض لضغوط شعبية وإقليمية ودولية للتدخل في الحرب ودعم الفلسطينيين، وفي نفس الوقت سيواجه مخاطر أمنية واقتصادية وسياسية كبيرة في حالة الدخول في صراع مباشر مع إسرائيل. وهذا قد يؤدي إلى انفجارات داخلية وخارجية تهدد استقرار الأردن ووحدته وسيادته.

- السيناريو الثاني: وقف الحرب والعودة إلى الوضع السابق دون تغيير جوهري في الواقع السياسي والميداني. هذا السيناريو سيحافظ على الأردن في موقف متوازن ومعقد، - حيث سيواصل الأردن الالتزام بموقفه الرسمي الداعم لحل الدولتين والمحافظ على الوضع القائم في القدس والمسجد الأقصى، والمطالب بوقف العدوان الإسرائيلي وإحياء عملية السلام. وسيحاول الأردن أيضا تهدئة التوترات الداخلية التي خلفتها الحرب بين الشارع الأردني والحكومة، والتي تتعلق بالعلاقات مع إسرائيل ومعاهدة السلام واتفاقية الغاز وغيرها من القضايا السياسية والاقتصادية. وسيسعى الأردن إلى تحسين الحوار والتفاهم مع المعارضة والنخبة والمجتمع المدني، والاستجابة للمطالب الشعبية المشروعة في مجالات الإصلاح والديمقراطية والتنمية والعدالة الاجتماعية.
- هذا السيناريو، رغم أنه يبدو الأقرب إلى الواقع الحالي، إلا أنه يحمل في طياته مخاطر وتحديات كبيرة للأردن، فهو يعني استمرار الوضع السياسي المتجمد والميداني المتوتر بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وعدم تحقيق حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية يضمن حقوق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال والعودة والتعبير عن الذات. وهذا يعرض الأردن لخطر اندلاع حروب أو أزمات جديدة في المستقبل، قد تكون أكثر عنفا وتدميرا من الحرب الحالية. كما يعرض الأردن لخطر تفاقم الاحتقان والاستياء الشعبي من السياسات الحكومية المتعلقة بإسرائيل والقضية الفلسطينية، والتي قد تؤدي إلى تصعيد الاحتجاجات والمطالبات بالتغيير الجذري والانفصال عن العدو الصهيوني. وهذا يتطلب من الأردن توخي الحذر والحكمة في التعامل مع الوضع الراهن، والسعي إلى تحقيق التوازن بين المصالح والقيم والمبادئ في السياسة الخارجية، والحفاظ على العلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف مع الدول والقوى المختلفة، والاستماع إلى صوت الشعب والاستجابة لمطالبه وتطلعاته.
- - السيناريو الثالث: إنهاء الحرب باتفاق سلام شامل يضع حدا للصراع العربي الإسرائيلي ويحقق حل الدولتين ويضمن حقوق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال والعودة والتعبير عن الذات. هذا السيناريو سيفتح آفاقا جديدة للتعاون والتنمية والازدهار في المنطقة، وسيخلق فرصا للأردن لتحسين العلاقات مع إسرائيل والدول العربية والغربية، والاستفادة من الموارد والمشاريع المشتركة. وسينعكس هذا إيجابا على الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للأردن، وسيزيد من الاستقرار والأمن والديمقراطية في البلاد.

وفي الختام
معركة طوفان الأقصى هي حدث تاريخي مهم في الصراع العربي الإسرائيلي، ولها تأثيرات واسعة النطاق على الصعيد الإقليمي والدولي. ومن بين الدول التي تتأثر بشكل مباشر أو غير مباشر بمجريات المعركة، تبرز الأردن، الذي يربطه بفلسطين علاقات تاريخية وجغرافية وديمغرافية ودينية وسياسية واقتصادية. ويمكن تلخيص موقف الأردن من معركة طوفان الأقصى بأنه موقف متوازن ومعقد، يحاول أن يراعي المصالح الوطنية والإقليمية والدولية للمملكة، ويحافظ على العلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف مع الدول والقوى المؤثرة في الشأن الفلسطيني. وتتجلى هذه المواقف في ثلاثة مستويات رئيسية: المستوى الرسمي، والمستوى الشعبي، والمستوى الوسطي. وتترتب على هذه المواقف تداعيات سياسية واقتصادية على الأردن، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي. وتتوقف طبيعة هذه التداعيات على تطورات معركة طوفان الأقصى ونتائجها، والتي يمكن توقع ثلاثة سيناريوهات محتملة لها: استمرار المعركة وتصعيدها إلى حرب شاملة، أو وقف الحرب والعودة إلى الوضع السابق، أو إنهاء الحرب باتفاق سلام شامل. وعلى ضوء هذه السيناريوهات، يتعين على الأردن أن يكون مستعدا للتعامل مع التحديات والفرص التي قد تنشأ في المستقبل، وأن يلعب دورا فاعلا ومسؤولا في دعم القضية الفلسطينية والسعي إلى السلام والأمن والاستقرار في المنطقة.