وقفيات الجامعات والمدارس
جفرا نيوز - بقلم رمزي الغزوي
في ضاحية صغيرة من ضواحي مدينة متوسطة الحجم لدينا؛ ستجد أكثر من ستة مساجد مجهزة من السجاد إلى التكييف حتى السيراميك ختاماً بالستائر. (بالطبع إلا الحمامات؛ فهي في أغلب مساجدنا تنتمي إلى كوكب آخر). هذه المساجد لا تكاد تمتلئ إلى ثلثها إلا يوم الجمعة، وأوائل رمضان.
وفي هذه الضاحية تحديدا يُحشر أو (يُزرب) أولاد مدرسة أساسية بمدرسة مستأجرة، كل 50 طالباً بغرفة مساحته تقل عن 20 متراً مربعاً. وفي المدينة ذاتها أكثر من ثلاثين مسجدا، بعضها لا يبعد عن الآخر 100 متر. وفيها امتدت يد البناء إلى شبه الحديقة الوحيدة لديها، ليس لإضافة مقاعد أو ملاعب أو تحسين أحوال النظافة، بل اقتطعوا جزءا منها لغرس مسجد.
التوصيف الأقرب إلى الدقة في كثير من بلداتنا الكبيرة أن ما بين المسجد والمسجد مسجداً. وهذا لا يقيس مستوى التدين بقدر ما يؤشر إلى ارتفاع منسوب العشوائية التي سارت وتسير عليها تلك العملية. فحسب إحصائيات وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية فإن عدد مساجدنا يزيد على 7300 وبمعدل نمو يساوي مسجداً كل يومين تقريباً.
ولدي رقم لم أستطع أن أتأكيد من دقته. لكنه يبدو منسجما مع تلك الإحصائيات. ففي العقدين الماضيين تم بناء مساجد بقيمة تزيد على 8 مليارات دينار. بالطبع الحكومات لم تدفع فلسا منها، فكل المبالغ جاءت من هبات خارجية، أو تبرعات داخلية وبكل عشوائية، وعدم تخطيط ليتم هذا التوسع غير المدروس، مما سبب نقصاً حاداً في الأئمة وخدَّام المساجد. حتى أنك قد تسمع من سماعة مسجد متهالكة طفلاً في الخامسة يرفع الأذان.
الثقافة الطاغية لدينا تحصر وتقصر فعل الخير فقط في بناء المساجد وتجهيزها والعمل على رفاهيتها وتجديد ستائر شبابيكها. وتنسى أن تلك المبالغ، وتلك الجهود لربما تستثمر في بناء مدارس جديدة عصرية، لا يقل فيها الخير والفائدة عن المسجد. وكذلك تستثمر في حدائق ومكتبات وتصليح شوارع، والسعي لتحسين جودة حياتنا؛ ناهيك أنها قد تكون على شكل وقف يخدم الجامعات والمستشفيات.
معظم الجامعات الأمريكية والأوروبية بنيت من التبرعات العامة والوقفيات، من هارفرد إلى فيلادلفيا في بنسلفينيا. ونحن أغلقنا الأبواب في وجه الخير، إلا لبناء مساجد تكاثرت علينا وفينا بصورة لن يرضاها جوهر ديننا القويم.