ما سر صمود الاقتصاد الروسي؟
جفرا نيوز - رغم الحرب التي دخلتها روسيا فيما يعرف باسم الغزو الروسي على أوكرانيا، ومحاربة الغرب لموسكو اقتصاديًا، غير أن ذلك لم يؤدي إلى انهيار الاقتصاد الروسي، وفق صحيفة "لوفيغارو” الفرنسية.
ونشرت صحيفة "لوفيغارو” الفرنسية تقريرًا تحدثت فيه عن الأسباب التي تمنع انهيار الاقتصاد الروسي رغم التحديات الاقتصادية والعقوبات الدولية.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21″، إن روسيا تواصل إحباط التوقعات الاقتصادية السلبية رغم نظام العقوبات الصارم المفروض عليها. ومن المتوقّع أن يحقق اقتصادها نموًا بنسبة 2.6 بالمئة في سنة 2024، وذلك وفقًا لصندوق النقد الدولي، علمًا بأنه حتى توقعات الكرملين الرسمية لم تكن متفائلة إلى هذا الحد.
وذكرت الصحيفة أن صندوق النقد الدولي قام مؤخرًا بتعديل توقعاته الاقتصادية لروسيا لسنة 2024 بشكل كبير، من 1.1 بالمئة إلى 2.6 بالمئة (مقارنة بالحد الأقصى 1.5 بالمئة الذي وضعه البنك المركزي الروسي). وتأتي هذه التقديرات الجديدة في الوقت الذي يتعافى فيه الاقتصاد الروسي أبكر مما كان متوقعا، مع حدوث انتعاش في سنة 2023 يقدر بنحو 3 بالمئة، بينما لا يزال العديد من الاقتصاديين يتوقعون حدوث ركود.
وتفاخر فلاديمير بوتين خلال منتدى الأعمال في كانون الأول/ ديسمبر قائلا إنه "من المتوقع أن يرتفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة لا تقل عن 3.5 بالمئة هذه السنة”، وهو تصريح غريب وسط تعرّض موسكو لأحد أشد أنظمة العقوبات في التاريخ.
وأشارت الصحيفة إلى أن النمو والإيرادات تجاوزت مستويات ما قبل الحرب على الرغم من انخفاض قيمة الروبل وتدهور الميزانية الفيدرالية. وبحسب تحليل تاتيانا كاستويفا-جان، مديرة مركز روسيا وأوراسيا في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، فإن "صمود الاقتصاد الروسي يُثير إعجاب صندوق النقد الدولي، ويدفعه إلى تحسين توقّعاته من خلال التنبؤ باستمرار عاملين: الإنفاق العسكري على مستوى عال ما يحفز الاستهلاك الإجمالي، واستقرار أسعار الهيدروكربونات الروسية، وبالتالي إيرادات كبيرة للميزانية”.
لكن يبدو أن مركز النمو يكمن في الصناعة. فقد استثمرت الدولة مبالغ ضخمة في القطاع العسكري والصناعي. ويمكن تفسير ما بين 35 بالمئة إلى 50 بالمائة من النمو – بحسب المصادر – بالإنتاج المرتبط بالحرب. لذلك، تتسارع الصناعة التحويلية.
وأضافت الصحيفة أن اقتصاد الحرب وزيادة الإنفاق العام ساعد في دعم دخل الأسَر، وارتفعت الأجور الحقيقية بنسبة 13.3 بالمئة في أيار/ مايو 2023 على مدار سنة واحدة، وذلك وفقا للخبير الاقتصادي الروسي فلاديسلاف إينوزيمتسيف. وهذا يكفي لدعم الاستهلاك حتى وإن كانت هناك اختلافات كبيرة. وقدّم الكرملين دعمًا إضافيًا لعائلات الجنود في الجبهة وعمال الدفاع، وهي مساعدات موجّهة إلى ما بين أربعة وخمسة ملايين أسرة.
وظلت مبيعات النفط الخام والمنتجات النفطية، قلب النموذج الاقتصادي الروسي، مستمرة. وعلى الرغم من انخفاضها بنسبة 93 بالمئة بالنسبة للاتحاد الأوروبي منذ سنة 2021، فقد حلت دول أخرى محلها. والآن تشتري الهند، التي زادت مشترياتها من النفط الروسي إلى أربعة عشر ضعفا، مع الصين ما بين 80 إلى 90 بالمئة من صادرات النفط الخام.
وأشارت الصحيفة إلى أن عقوبات الغرب كان لها تأثير محدود، إذ نجحت روسيا في تفادي الحد الأقصى المفروض على أسعار النفط المقدر بـ 60 دولار للبرميل. ويقول الخبير الاقتصادي هيوبرت تيستارد في مقال نشر مؤخرا: "النتيجة: بلغت خسارة عائدات النفط التي سجلتها روسيا في سنة 2023 حوالي 14 بالمئة فقط، وظلت أحجام الصادرات مستقرة”.
وباعتبارها سوقا مهمة للسلع المصنعة، تمكنت روسيا أيضًا من استبدال منتجات التكنولوجيا الفائقة والمنتجات الاستهلاكية الغربية من خلال اللجوء أيضًا إلى الصين أو دول آسيوية أخرى، في حين تجمع إمداداتها مع الواردات غير المصرح بها عبر وسطاء مختلفين، مثل تركيا. وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن "الثلاثي الصين والهند وتركيا مكّن صادرات الكرملين من توليد 130 مليار دولار في غضون سنتين”، وهو ما يكفي تقريبا للتعويض عن انخفاض مبيعات روسيا إلى 27 دولة من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية (139 مليار دولار).
في ما يتعلق الأمر بالمواد الخام، فقد عززت روسيا مكانتها الاستراتيجية في الاقتصاد الدولي. وتشير تاتيانا كاستويفا-جان إلى أن "الموارد الروسية تعتبر ضرورية للصناعات العالمية، بما في ذلك الصناعات الغربية من الألمنيوم والتيتانيوم، ناهيك عن القمح والمنتجات الغذائية”. وقد صدّرت البلاد 59 مليون طن من الحبوب بين تموز/ يوليو 2022 وحزيران/ يونيو 2023، ومن المتوقع أن تصدر 61 مليون طن في الموسم المقبل. واستعادت موسكو، المنتج الرئيسي للأسمدة، مستويات صادراتها تقريبا بعد انخفاض وصل إلى نسبة 22 بالمئة في سنة 2022.
وعلى الصعيد المحلي، أفلتت الشركات الخاصة الروسية من العقوبات، وأقامت شراكات جديدة داخل البلاد وخارجها، واستمرت في دعم التوظيف طوال الحرب. وقد أدى رحيل الشركات الغربية إلى تحرير حصة السوق لرجال الأعمال الروس.
حيال هذا الشأن، كتب الأكاديمي فلاديسلاف إينوزيمتسيف أنه "في الربع الأول من سنة 2023، تجاوز صافي الزيادة في عدد المؤسسات التجارية المسجلة علامة الـ50 ألفا، مع زيادة عدد رواد الأعمال الأفراد الذين تقل أعمارهم عن 35 سنة بنسبة 40 بالمئة”.
وأوردت الصحيفة أنه لم يكن للعقوبات المالية نفسها سوى تأثير محدود: فحجم الأصول المجمّدة لدى البنك المركزي للاتحاد الروسي (حوالي 300 مليار دولار) يعادل الفائض التجاري لروسيا في سنة 2022. علاوة على ذلك، فإنه حلّ اليوان محل الدولار واليورو في خدمة التجارة الخارجية الروسية. والحقيقة أنه في ظل ارتفاع معدلات التضخم، وارتفاع الإنفاق الدفاعي (+70 بالمئة من المخطط لسنة 2024)، وأسعار الفائدة عند 16 بالمئة، والاستفادة القصوى من القدرات الإنتاجية، فإن الاقتصاد الروسي يعاني حاليا من فرط النشاط. وحتى إذا تم تكميم أفواه المعارضين السياسيين، فإن ذلك لن يكون ممكنا مع الانتقادات الاقتصادية.
وحذّرت مديرة البنك المركزي الروسي، إلفيرا نابيولينا، التي تحظى مهاراتها باحترام أقرانها الأجانب، من أنه في هذا الوضع "يمكن أن نصل إلى مستويات عالية جدا، ولكن ليس لفترة طويلة”. ومن جهته، حذّر فلاديسلاف إينوزيمتسيف من أن خسارة رأس المال البشري ـ حيث يقال إن مليونا من المديرين التنفيذيين المؤهلين غادروا البلاد ـ قد تكلف روسيا على المدى البعيد أكثر من الخسائر المالية التي سببتها الحرب. وفي الوقت الحالي، يؤدي نقص العمالة إلى ارتفاع الأجور، لكن هذا لن يستمر.
وأكد الخبير الاقتصادي أنه "بحلول نهاية عشرينيات القرن الحادي والعشرين، ستخسر البلاد جزءا كبيرا من قدرتها الصناعية قبل الحرب، مع احتمال انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 10 بالمئة إلى 15 بالمائة قبل نهاية العقد”.
وكالات