أسباب وآثار إبقاء أسعار الفائدة مرتفعة

جفرا نيوز - بقلم د. عدلي قندح

كان لقرار بنك الأحتياطي الفيدرالي الأميركي إبقاء أسعار الفائدة كما هي عند مستوياتها المرتفعة (5.25%-5.50%) أسباباً مقنعة من الناحية الاقتصادية وهي؛ أولاً، أنه لا يزال متخوفاً من أن الانخفاضات التي تحققت في مستويات التضخم ليست مضمونةً بشكل أكيد، كل ذلك لأن التطورات السياسية والأمنية والاقتصادية الاخيرة (استمرار الحرب في أوكرانيا، واندلاع الحرب في غزة، وتوسع حالات الاضطراب في المنطقة) قد تؤثر بشكل عكسي على مستوى الاسعار العالمية وقد تدفع بالأسعار للارتفاع من جديد. ثانياً، إن السياسة النقدية المتشددة التي اتبعها الفيدرالي منذ آذار ٢٠٢٢ لم تؤدي الى احداث تباطؤ في النمو الاقتصادي ولم تزد معدلات البطالة في الولايات المتحدة الأمريكية حسبما تفيد البيانات الرسمية، حيث وصلت معدلات البطالة في شهر كانون الأول ٢٠٢٣ إلى ٣,٧ بالمئة فقط وهي عند مستويات التشغيل الكامل وفقاً للنظرية الاقتصادية. ونعلم أن البنك الفيدرالي يعتمد في قراراته النقدية على أساس البيانات الاقتصادية والمالية data-driven. وكان جيروم باول قد أكد أنه لن يكون هناك أي تخفيض في سعر الفائدة في شهر مارس/ اذار المقبل ما يعني ان أسعار الفائدة ستبقى مرتفعة طوال الربع الاول من العام الحالي. وهذا يتوافق مع توقعات كريستينا لاجارد رئيسة البنك المركزي الأوروبي عندما صرحت ان بداية تخفيضات اسعار الفائدة ستكون في الصيف المقبل. وقد تبع ذلك قرار بنك إنجلترا المركزي بتثبيت أسعار الفائدة عند مستوياتها الحالية المرتفعة.

من الواضح أن كافة البنوك المركزية في العالم تنتظر في العادة قرارات الفيدرالي الأميركي وقراءته للمشهد الاقتصادي العالمي حتى تعلن تباعاً قراراتها بشأن السياسات النقدية في دولها والتي تكون مطابقة لسياسات بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. وهذا له معنى واضحا وهو أن بنك الأحتياطي الفيدرالي الأميركي ما يزال اللاعب الأكثر قدرة في التأثير في الأسواق العالمية.

علاوة على ذلك، هناك عدة أسباب تشجع بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (الفيدرالي) للإبقاء على أسعار الفائدة عند مستويات قياسية مرتفعة:

1. ان معدلات التضخم الحالية في الولايات المتحدة الأميركية (٣,٤٪) لم تصل الى مستوياتها المستهدفة (٢٪) حتى الآن. كما ان هناك تخوفات لدى الفيدرالي بوجود توقعات، وان كانت غير مؤكدة، بارتفاع التضخم نتيجة الأزمات والأحداث العالمية، لذا اختار الفيدرالي الإبقاء على أسعار الفائدة عند مستوياتها المرتفعة للحد من الطلب ومحاربة التضخم وللتأكد من ان الانخفاض الذي حصل في معدلات التضخم هي حقيقية ومستقرة.

2. كما ان معدلات الفائدة المرتفعة تجعل الادخار أكثر جاذبية للمستثمرين والمدخرين، مما يساعد في تقليل الطلب على الاستهلاك وتقديم دعم للنمو المستدام.

3. ان قرار الفيدرالي الإبقاء على أسعار الفائدة عند مستويات مرتفعة يساعد في تحقيق توازن في النمو الاقتصادي، حيث يتم الحفاظ على استقرار الأسواق وتفادي فقاعات اقتصادية. فارتفاع أسعار الفائدة يجعل تكلفة الاقتراض لغرض المضاربة أعلى، مما يقلل من النشاط المالي الذي يستند إلى الاقتراض لشراء الأصول الاستثمارية. هذا يمكن أن يقلل من حجم المضاربة غير المبررة والتي قد تؤدي إلى تكوين فقاعات في الأسواق. وبفضل ارتفاع أسعار الفائدة، يمكن أن يزيد التوازن بين العرض والطلب في الأسواق المالية والعقارية. وهذا يعني أن الأسعار تنعكس بشكل أفضل للأسس الاقتصادية الحقيقية، مما يقلل من احتمال تكوين فقاعات في الأسواق.

وبفضل ارتفاع أسعار الفائدة، يزداد استقرار النظام المالي بشكل عام، ما يقلل من مخاطر الانهيارات المالية والبنكية، مما يقلل من فرص تكوين فقاعات اقتصادية.

4. كما أن الإبقاء على أسعار فائدة مرتفعة يعني ارتفاع تكلفة الاقتراض، مما يحد من الديون الشخصية والديون الحكومية، وبالتالي يقلل من تفاقم مخاطر الدين العام.

5. تؤدي معدلات الفائدة المرتفعة إلى تقوية قيمة الدولار الأمريكي مقابل العملات الأخرى، مما يساعد في تحسين التوازن التجاري وتعزيز الاستقرار النقدي العالمي.

6. ونظرا لحجم مساهمة وتأثير الاقتصاد الاميركي في الاقتصاد العالمي يمكن أن تساهم سياسات الفائدة المرتفعة في الولايات المتحدة في تقليل التضخم العالمي وتحقيق استقرار اقتصادي عالمي.

ومن ابرز تبعات ابقاء اسعار الفائدة مرتفعة على الأسواق المالية والاقتصادية نذكر منها ما يلي:

أ- الأثر على الاسواق المالية: بسبب ارتفاع تكلفة الاقتراض، يمكن أن يتراجع الطلب على الاستثمار في الأسهم والسندات، مما يؤدي إلى انخفاض في أسعارها.

ب- الاثر على السوق العقاري: قد تؤثر أسعار الفائدة المرتفعة على السوق العقارية بشكل مباشر، حيث يصبح التمويل العقاري أكثر تكلفة. وهذا يقلل من القدرة الشرائية للمشترين ويقلل من الطلب على العقارات، مما يؤدي إلى تباطؤ في نمو السوق العقارية.

ج- الاثر على النمو الاقتصادي: ارتفاع أسعار الفائدة يمكن أن يؤثر على النمو الاقتصادي بشكل سلبي. حيث يزيد من تكاليف الاقتراض للشركات والأفراد، مما يقلل من الإنفاق والاستثمار، وبالتالي يقلل من نمو الاقتصاد بشكل عام.

د- الاثر على أسواق الذهب والنفط:

تأثير أسعار الفائدة المرتفعة يمكن أن ينعكس أيضًا على أسعار السلع الأساسية مثل الذهب والنفط. فبسبب تكاليف الاقتراض المرتفعة، قد يقل الطلب على هذه السلع كأصول استثمارية، مما يؤدي إلى انخفاض في أسعارها. وهذا ما لمسناه مباشرة بعد إعلان الفيدرالي إبقائه على أسعار الفائدة عند مستويات قياسية مرتفعة.

هـ- الاثر على اسواق العملات: من المتوقع ان يؤدي ارتفاع أسعار الفائدة إلى تقوية العملات التقليدية مقابل العملات الرقمية. حيث يزيد من فوائد الاستثمار في العملات التقليدية، وبالتالي يقلل من جاذبية العملات الرقمية.

بشكل عام، يتخذ الفيدرالي قراراته بشأن أسعار الفائدة بناءً على تقييم شامل للظروف الاقتصادية الداخلية والعالمية، مع التركيز على تحقيق الاستقرار الاقتصادي والمالي على المدى الطويل.