التفتوا إليهم أيها الدافئون
جفرا نيوز - بقلم رمزي الغزوي
لولا خشيتي أن أتزحزح عن جادة الصواب، لقلت إن بعضاً من قرانا وجيوبنا العامرة بالعدم والفقر، والغائبة عن العين والقلب والاهتمام باتت تنافس العاصمة المنغولية (أولان باتور) الأعلى تلوثا عالمياً، وتنافسها بمستويات الهباب والسخام، وتتفوق على مدن كثيرة عامرة بالسيارات والمصانع.
في جيوب الفقر يحرق الناس في مدافئهم كل شيء: حطباً، فحماً، أحذية قديمة، وبساطير مهترئة، كرتوناً، فوط أطفال، إبلاستيكاً، جفتاً، زيتاً محروقاً، بولسترين. إنهم يوقدون كل قمامتهم وقمامة الشارع إن وجدوها، حتى آخر كيس إبلاستيكي، ويوقدون كل ما تصله أيادي البرد.
في هذا الصقيع لا أريد أن أعيد اقتراحاً قديماً أطلقه أحد البطرانين ينصح الأردنيين الأكثر فقرا، أن يهاجروا مطلع كل شتاء، إلى النصف الجنوبي من الكرة الأرضية، كما تهاجر الطيور، بحثاً عن مواطئ الدفء، لأنه اقتراح وقح لا يرش إلا سكراً بارداً على الموت، ينسى أن الفقر بلا أجنحة تطير أو عضلات تزحف.
وكما أن الفقير لا يفكر في معاني التلوث ومضاره وبشاعته، ولا يأبه بغيومه السوداء، ومستويات الكربون العالية، ولا يأبه بأن قطع شجرة معمرة من غابة مجاورة، يحرمنا من الأوكسجين والرطوبة والجمال، ولا يفكر في أضرار الغازات المنبعثة من احتراق الكاوتشوك والنايلون والقمامة أو بقذارة رائحتها. فكل شيء في سبيل الدفء يهون ومسموح به، وقد قال قائل منهم، نريد أن ندفئ صغارنا ولو أشعلنا دفوف ظهورنا وأضلاعنا.
كثرت الأصوات المطالبة بإنصاف هؤلاء الصامتين الفقراء في هذه الأوقات تحديدا، والذين ترعبهم وتزيد إرتجافهم أسعار تنكة الكاز، وجرة الغاز، وفاتورة الكهرباء، ولهذا لجأوا إلى إحراق أي شيء متاح بين اياديهم.
فلماذا لا ننظر إليهم نظرة دفء وحنان؟ ولماذا نعتقد أنهم سيبقون على قيد الصمت طويلاً، وأنهم ينامون متكورين على هواجسهم، حالمين بقصائد الشبع والدفء، وبين القصيدة والقصيدة ينفثون شخيرهم الحار، الذي يكفيهم؟
أيها الدافئون، أصحاب المواقد الحارقة لكل شيء، لديهم من الغيظ ما يكفي لإيقاظ بركان خامد منذ قرون، ولديهم من البرد ما يكفي لنعتقد أن حلمهم مبلول، وبارودهم أكثر بللاً، وفتيل احتراقهم مقطوع. فالتفتوا إليهم في هذا البرد.