المشاريع الكبرى رحلة تحول إقتصادي

جفرا نيوز - بقلم د. عدلي قندح

هناك توافق كبير بين مختلف الجهات أن اقتصاد المملكة الأردنية الهاشمية متعطش كثيرًا للمشاريع الكبرى، وهذا ما يشدد عليه جلالة الملك عبدالله الثاني، حفظه الله، في مختلف اجتماعاته مع الحكومة، من ضرورة تعظيم الجهود وتسريع تنفيذ برامج خطة التحديث الاقتصادي، مع التركيز على المشاريع الكبرى وتأهيل القوى العاملة للاستفادة من الفرص المقدمة من هذه المشاريع.

فإذا تم تنفيذ أكبر عدد من المشاريع الكبرى، فإنها ستلعب دورًا حاسمًا في التنمية الاقتصادية للأردن، وستدخل الأردن في رحلة تحول اقتصادي واجتماعي وثقافي رئيسية، وستعمل على تعزيز البنية التحتية للبلاد وجذب الاستثمارات الأجنبية ودفع النمو الاقتصادي وتعزيز الاتصالات وزيادة الإنتاجية وتعزيز الابتكار. كل ذلك لأن المشاريع الكبرى هي إحدى محركات التنمية المستدامة في مختلف القطاعات مثل النقل والطاقة والسياحة والتنمية الحضرية. علاوة على ذلك، تسهم في خلق فرص عمل وتطوير المهارات ونقل المعرفة، مما يدعم المجتمعات المحلية ويعزز التقدم الاجتماعي والاقتصادي.

وما يمنح قدرًا كبيرًا من التفاؤل هو أنه وفقًا لخطة التحديث الاقتصادي، سيتم تنفيذ عدد كبير من المشاريع الكبرى ومشاريع الشراكة مع القطاع الخاص بقيمة تزيد عن 10 مليارات دينار أردني. حيث تغطي المشاريع الكبرى في الأردن مجموعة متنوعة من القطاعات، ويسهم كل منها في زيادة التنويع الاقتصادي وتعزيز مرونة الاقتصاد الأردني.

حيث يتضمن البرنامج التنفيذي لرؤية التحديث الاقتصادي عددًا من المشاريع الكبرى من أهمها: الناقل الوطني، وشبكة قطارات وطنية، والمرحلة الأولى منها هي سكك حديد العقبة-عمان، بتكلفة تبلغ 1.9 مليار دينار أردني، ومشروع توصيل كهرباء الأردن بالعراق بقيمة 30 مليون دينار، ومشروع توصيل كهرباء الأردن بالسعودية بقيمة 39 مليون دينار، بالإضافة إلى رفع قدرة التوصيل الكهربائي بين الأردن ومصر إلى 1,100 ميجاوات، وإنشاء 15 مدرسة بالشراكة مع القطاع الخاص بقيمة 46 مليون دينار، ومشروع نقل سريع للحافلات بين عمان والزرقاء بقيمة 140 مليون دينار، ومشروع إنشاء مباني وساحات للشحن والركاب عند جسر الملك حسين الجديد بقيمة 225 مليون دينار، وتطوير وإعادة تأهيل ميناء العقبة للحاويات بقيمة 300 مليون دينار، بالإضافة إلى مشاريع الطرق المدفوعة الرسوم التي ستكلف 40 مليون دينار.

مشروع الناقل الوطني للمياه، على سبيل المثال، سيمكن الأردن من سد العجز المتوقع في المياه خلال السنوات القادمة، إلى جانب فتح آفاق جديدة لتعزيز احتياجات المياه للقطاعات الاقتصادية المختلفة مثل الزراعة والصناعة والسياحة وغيرها.

إلا أنه وعلى الرغم من فوائدها المحتملة، تواجه المشاريع الكبرى في الأردن العديد من التحديات، بما في ذلك العقبات التنظيمية والبيروقراطية وقيود التمويل، بالإضافة إلى عدم الاستقرار الجيوسياسي. ومن المهم أيضًا ضمان الشفافية والمساءلة وإدارة المخاطر بشكل فعّال لضمان نجاح هذه المشاريع، علاوة على دمج الاستدامة البيئية والشمول الاجتماعي في تخطيط وتنفيذ المشاريع للحد من التأثيرات السلبية وتعزيز استمراريتها وبقاءها على المدى الطويل. وبالطبيعة، فإن احتياجات تمويل المشاريع الكبرى في الأردن تتطلب موارد مهمة، مما يستدعي مزيجًا من الاستثمارات العامة والخاصة، بالإضافة إلى التعاون الدولي. ففي حين توفر الحكومة التمويل والدعم التنظيمي، فإن مشاركة القطاع الخاص من خلال الشراكات بين القطاعين العام والخاص تلعب دورًا رئيسيًا في استغلال الخبرات والتكنولوجيا ورأس المال. علاوة على ذلك، يمكن الوصول إلى آليات التمويل الدولية، مثل البنوك التنموية الدولية وصناديق الثروة السيادية، للمساعدة في سد الفجوات التمويلية والتخفيف من المخاطر المالية المرتبطة بالمشاريع الكبرى.

كما يلعب الاستثمار الأجنبي المباشر دورًا حيويًا في تمويل المشاريع الكبرى ودفع النمو الاقتصادي في الأردن، وتعزز الشراكات بين الشركات المحلية والمستثمرين الأجانب التنافسية وتعزز الصادرات وتعزز التكامل الاقتصادي ضمن سلاسل القيم العالمية.

وهنا لا بد من الإشارة إلى تعهدات الولايات المتحدة الأمريكية بتقديم دعم مالي بقيمة 700 مليون دولار لمشروع الناقل الوطني للمياه؛ منها حوالي 300 مليون دولار في صورة منح و400 مليون دولار على شكل قروض استثمارية ميسرة؛ وتعهدات بعض دول ومؤسسات الاتحاد الأوروبي بتقديم منح بقيمة 147 مليون دولار إلى جانب قروض تنموية بقيمة 522 مليون دولار وقروض استثمارية ميسرة بقيمة 461 مليون دولار، من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وهولندا وإسبانيا، بالإضافة إلى البنك الأوروبي للاستثمار والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية.

أن إستمرار متابعة تنفيذ المشاريع الكبرى في الأردن يمثل فرصة تحولية لإطلاق العنان للإمكانات الاقتصادية للبلاد ومعالجة التحديات التنموية. ومن خلال تبني الابتكار وتعزيز الشراكات واستغلال الموارد بشكل فعال، يمكن للأردن تحقيق رؤيته لمستقبل مزدهر ومستدام. ومع تعاون الأطراف للتغلب على التحديات واستغلال الفرص، ستستمر المشاريع الكبرى في تشكيل المشهد الاقتصادي في الأردن لسنوات طويلة مقبلة، مما يدفع بالنمو والازدهار المشترك للأجيال القادمة.